ولأجل ما ذكرناه من ترك استعمالهم لحروف الحلق متجاورة ما قلّ تضعيفهم إياها ، وذلك نحو : الضّغيغة (١) ، والرّغيغة (٢) ، والمهه (٣) ، والبحح (٤) ، والشّعاع (٥) ، وقد كنا ذكرنا نحوا من هذا في أول الكتاب.
وأحسن التأليف ما بوعد فيه بين الحروف ، فمتى تجاور مخرجا الحرفين فالقياس ألا يأتلفا ، وإن تجشموا (٦) ذلك بدأوا بالأقوى من الحرفين ، وذلك نحو : «أرل» (٧) و «ورل» (٨) و «وتد» و «محتد» ، فبدأوا بالراء قبل اللام ، وبالتاء قبل الدال لأنهما أقوى منهما. ويدلك على قوة الراء والتاء على اللام والدال أنك إذا ذقتهما ساكنتين ، ووقفت عليهما وجدت الصوت ينقطع عند التاء بجرس قوي ، ووجدته ينقطع عند الدال بجرس خفي ، وذلك قولك «إت» «إد» وكذلك الراء واللام ، فإذا وقفت على الراء وجدت الصوت هناك مكررا ، ولذلك اعتدّت في الإمالة بحرفين ، وإذا وقفت على اللام وجدت في الصوت لينا وغنة ، وذلك قولك «إر» «إل».
ويؤكد عندك قوة الراء على اللام أنك لا تكاد تجد اللام معتاصة على أحد ، وكثرة ما تجد الراء متعذرة على كثير من الناس لا سيما الأرتّ (٩) ، حتى إنك لا تستبينها في كلامه.
ويتلو حروف الحلق حروف أقصى اللسان ، وهي القاف ، والكاف ، والجيم ، وهذه لا تتجاور البتة ، لا تجد في الكلام نحو : «قج» ولا «جق» ولا «كج» ولا «جك» ولا «قكّ» ولا «كقّ».
__________________
(١) الضغيغة : الروضة الناضرة المتخلية. اللسان (٨ / ٤٤٣) مادة / ضغغ.
(٢) الرغيغة : طعام مثل الحسا يصنع بالتمر. وهو لبن يغلي ويذر عليه دقيق يتخذ للنفساء.
(٣) المهه : الحسن. اللسان (١٣ / ٥٤١) مادة / مهة.
(٤) البحح : غلظ في الصوت وخشونة. اللسان (٢ / ٤٠٦) مادة / بحح.
(٥) الشعاع : وهو تفرق الدم وعيره. اللسان (٨ / ١٨١) مادة / شعع.
(٦) تجشموا : تكلفوه على مشقة. اللسان (١٢ / ١٠٠) مادة / جشم.
(٧) أرل : جبل معروف. اللسان (١١ / ١٣) مادة / أرل.
(٨) ورل : دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه. اللسان (١١ / ٧٢٤) مادة / ورل.
(٩) الأرت : الذي في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه.