فأما قول رؤبة (١) :
لواحق الأقراب فيها كالمقق (٢)
وقولهم «يأجج» و «مأجج» (٣) و «سكك» فإنما جاز ذلك وإن كان متكررا من قبل أن المكرر معرّض في أكثر أحواله للإدغام ؛ ألا تراك تقول : فرس أمقّ (٤) ، ومجّ فوه (٥) ، وأجّت النار (٦) ، وسكّة (٧) ، والحرفان المتجاوران لا يمكنك إدغام أحدهما في صاحبه حتى تتكلف قلبه إلى لفظه ، ثم تدغمه ، فكانت المشقة فيه أغلظ ، فرفض ذلك لذلك ، ولأجل هذا ما جاء عنهم في حروف الحلق التي تباعدت عن معظم الحروف ، فلم تسطها ، نحو المهه ، والبحح ، والبعع (٨) ، والرّخخ ، وهو السهولة واللين (٩) ، ولم يأت عنهم ذلك في المتجاور منها إلا فيما حدّدناه في أول هذا الفصل ؛ ألا ترى أنهم لم يأت عنهم فيها نحو : المهح ، ولا البحع ، ولا الرّخغ لما ذكرت لك.
ولهذا أيضا ما جاء عنهم نحو : الشّمم ، والخبب (١٠) ، والحفف (١١) ، ولم يأت نحو : السّمب ، ولا الحبف ، ولا الخعم ، وذلك أن الصوت إذا انتحى مخرج حرف ، فأجرس فيه ، ثم أريد نقله عنه ، فالأخلق بالحال أن يعتمد به مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان ، فيعذبا بتراخيهما ، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج يجاوره وصدى يناسبه ، ففيه من الكلفة ما في نقد الدينار من الدينار ونحو ذلك ، ففي هذا إشكال ، وفيهما إذا تباعدا من الكلفة ما في نقد الدينار من الدرهم ، أو نحو ذلك ، وهذا أمر واضح غير مشكل ، فلذلك حسن تأليف ما تباعد من الحروف ، وكان
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) سبق شرحه.
(٣) مأجج : موضع. اللسان (٢ / ٢٠٧) مادة / أجج.
(٤) فرس أمق : بعيد ما بين الفروج ، طويل بين الطول. اللسان (١٠ / ٣٤٦) مادة / مقق.
(٥) فوه : يقال : مج الشراب والشيء من فيه : رماه ومج بريقه : لفظه. اللسان (٢ / ٣٦١).
(٦) أجت النار : تلهبت وكان للهيبها صوت. اللسان (٢ / ٢٠٦) مادة / أجج.
(٧) سكة : الطريق. اللسان (١٠ / ٤٤١).
(٨) البعع : الجهاز والمتاع. اللسان (٨ / ١٧).
(٩) اللين : وهو ضد الخشونة. اللسان (١٣ / ٣٩٤) مادة / لين ..
(١٠) الخبب : مصدر خب ، أي السرعة. اللسان (٣٤١) مادة / خبب.
(١١) الحفف : الجمع ، وقيل : الضيق ، والحاجة. اللسان (٩ / ٤٩ ـ ٥٠) مادة / حفف.