قوله من سواهما أى من سوى هب وتعلم لأنهما لازمان للأمر وزكن أى علم وكل مفعول باجعل وما موصولة وزكن صلتها وله متعلق بزكن ولغير متعلق باجعل ومن فى موضع الحال من غير والتقدير اجعل كل ما علم للماضى من الحكم لغير الماضى فى حال كونه من سوى هب وتعلم. ثم قال :
وجوّز الإلغاء لا فى الابتدا
تقدم أن الإلغاء ترك العمل لغير موجب وفهم من قوله وجوز أنه جائز لا واجب وفهم من قوله لا فى الابتداء ثلاث صور أن يتأخر عنهما نحو زيد قائم ظننت أو يتوسط بينهما نحو زيد ظننت فاضل أو يتقدم على المفعولين ويتقدم عليه غيره نحو متى ظننت زيد قائم؟ وفى جوازه الإلغاء فى هذه الصورة الثالثة خلاف وظاهر كلامه جوازه لأن الفعل ليس فى الابتداء ولم يتعرض الناظم إلى الأرجح ، والأرجح الإلغاء مع التأخير والإعمال مع التوسط بين المفعولين وفهم من قوله لا فى الابتدا أن إعمال المتقدم واجب والإلغاء مفعول بجوز ولا عاطفة والمعطوف عليه محذوف تقديره وجوز الإلغاء فى التأخير والتوسط لا فى الابتداء ، وأجاز الكوفيون الإلغاء مع التقدم واستدلوا بقوله :
٥٤ ـ كذاك أدّبت حتى صار من خلقى |
|
أنّى وجدت ملاك الشّيمة الأدب |
وهذا ونحوه مؤول عند البصريين إما على نية ضمير الأمر والشأن فيكون الفعل باقيا على عمله والجملة فى موضع المفعول الثانى وإما على تقدير لام الابتداء وإلى ذلك أشار بقوله :
وانو ضمير الشّأن أو لام ابتدا |
|
فى موهم إلغاء ما تقدّما |
أى إذا ورد من كلام العرب ما يوهم إلغاء الفعل المتقدم فلك فى تأويله وجهان أحدهما أن
__________________
(٥٤) البيت من البسيط ، وهو لبعض الفزاريين فى خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، ١٤٣ ، ١٠ / ٣٣٥ ، والدرر ٢ / ٢٥٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٦٥ ، وتخليص الشواهد ص ٤٤٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٥٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٤٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤١١ ، ٣ / ٨٩ ، والمقرب ١ / ١١٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٣.
والشاهد فيه قوله : «وجدت ملاك الشيمة الأدب» حيث ألغى عمل الفعل «وجدت» مع تقدمه ، ولو أعمله لقال : «وجدت ملاك الشيمة الأدب» بنصب «ملاك» ، و «الأدب» على أنهما مفعولان وخرجه البصريون على ثلاثة أوجه : الأوّل أنه من باب التعليق ، ولام الابتداء مقدرة الدخول على «ملاك».
والثانى أنه من باب الإعمال ، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مفعول ثان.
والثالث أنه من باب الإلغاء ، لكن سبب الإلغاء أن الفعل لم يقع فى أول الكلام ، بل سبقه قول الشاعر «أنّى».