خامساً : ـ إذا ضل سائق سيارة طريقه في صحراء ، فإنه يبحث عن طريق السيارات من آثار عجلاتها على الأرض. فإذا وجد الآثار فإنه يحكم. بمرور السيارات من تلك الجهة ، ويفرح لنجاته من خطر الضلال. فماذا تقول ـ أيها القارئ العزيز ـ في حق من يقول : إن تلك الآثار على الأرض تكونت من نفسها وطبيعتها بمرور الأجيال والأحقاب ؟ أعتقد بأنك تعتبره سفيها لأنه تعدى حدود الفطرة السليمة للتعليل والاستدلال. وكذلك الاعتبار في حق من يزعم أن الموجودات الكونية ليست من آثار خالق مدبر حكيم ، بل تكونت بالصدفة وتطور الطبيعة. مع أن حكمة تكوينها أعظم من حكمة آثار عجلات السيارات بصورة لا يمكن قياسها أو وزنها.
سادساً : ـ لو فرضنا أن رجلاً يملك مطبعة ، فحصلت هزة أرضية فقلبت مواضع الحروف بعضها فوق بعض. فأخبر العامل الذي ينظم الطباعة بعض أصدقائه بأن الهزة الأرضية قد كونت بالصدفة العمياء كتاباً كاملاً يحتوي على (٥٠٠) صفحة ، يضم مقالات رائعة ومباحث علمية قيمة.
أترى ـ أيها القارئ ـ أن هؤلاء الأشخاص يصدقون العامل ؟ كلا بل يعلمون أنه لا يريد بذلك الخبر إلا مزاحاً أو سخرية ، لأن مثل هذا الكلام يستحيل أن يتحقق لأنه يخالف المنطق السليم والبحث النزيه.
هذا موقف بالنسبة لكتاب يحتوي على صفحات محدودة معينة ، فكيف يكون الموقف إذن بالنسبة للكتاب الكوني الكبير الذي لا تُعد صفحاته ولا تُحصى جمله وكلماته؟ أجل إنها صفحات تنطق بالحكمة ، وجُمل وكلمات تتفجر بالعلم والقدرة. كل ذلك لتطمئن قلوبنا بمؤلف الكتاب القدير الخبير ، ومنشئه العليم العظيم ، وهو الله العزيز الحكيم. قال الله تعالى : ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ) ( الكهف / ١٠٩ ). وقال تعالى أيضاً : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت