وهذا معنى ما قلناه من أنَّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت عليهمالسلام ، وليست مجرّد افتراض ، كما أنَّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربانية ، ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الرباني : النبي يحيى عليهالسلام ، قال تعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً .. ) (١).
ومتى ثبت أن الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية وموجودة فعلاً في حياة أهل البيت ، لم يَعُدْ هناك اعتراض فيما يخصّ حياة المهدي عليهالسلام ، وخلافته لأبيه وهو صغير.
إن أهم ما يثيرونه في هذا المجال ، ويروّجون له باستمرار قديماً وحديثاً ، هو قولهم : إذا كان المهدي يُعبّرُ عن إنسان حيّ عاصرَ الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من أحدَ عشرَ قرناً فكيف تأتّى له هذا العمر الطويل ؟ وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتمّ مروره بمرحلة الشيخوخة (٢) !!
ومن الجائز أن نطرح الشبهة بصورة سؤالٍ كأن يقال : هل بالإمكان أن يعيش الانسانُ قروناً طويلة ؟!
وللإجابة عن هذا السؤال لابدَّ من التمهيد ببحث مسألة الإمكان هنا. فهناك ثلاثة أنواع متصورة للإمكان :
الأول : ما يصطلح عليه بالإمكان العملي ، ويُراد به ما هو ممكن
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ١٢. وقد مرّ في الفصل الثاني برقم ٥ و ٨ اعتراف أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي ، وأحمد بن يوسف القرماني الحنفي بان المهدي عليهالسلام اُعطي الحكمة وهو صبيٌّ ، فراجع.
(٢) هذه الشبهة مطروحة في كتب العقائد منذ القرون البعيدة ، وقد ذكرها وتصدى للاجابة عنها كبار علماء الإمامية ، بوجوهٍ جديدة ومن أبعاد مختلفة ، ونحن نتعرّض لبعضها فقط.