تفسيره : « واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك ، ولا يجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة » (١).
ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الأديان الاُخرى قد تحققت في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون ، ولا يخفى أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الإسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة.
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك ، والذين دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا ، والعدو أحاط بنا ، وغُزِينا في عقر ديارنا ، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق.
وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده ؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الأديان منطبقاً على واقع الإسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم ؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والأحكام ؟!
هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال : « هو الأديان الستة : الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين ، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا. فالاَديان كلّها تدخل في دين الإسلام ، والإسلام يدخل في شيء منها ، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون » (٢).
__________________
(١) التفسير الكبير / الرازي ١٦ : ٤٠.
(٢) الدر المنثور / السيوطي ٤ : ١٧٦.