ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين ( القرآن والعترة ) ، وقيمة إرجاع الأمّة فيه إلى العترة لأخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة ، منها في يوم الغدير ، وآخرها في مرضه الأخير.
فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « كأنني قد دُعِيت فأجبت ، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٢) ، هذا فضلاً عن تأكيده صلىاللهعليهوآلهوسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم ، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة.
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : « اللّهم هؤلاء أهلي » وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر
__________________
(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩.
(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ ، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً ، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره ، فقهه ، للسيد علي الحسيني الميلاني : ٤٧ ـ ٥١. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.