مثله ، ورأيت سفيان الثورى بالكوفة فما رأيت فى الدّنيا مثله ، ورأيت رباح بن يزيد بإفريقية فما رأيت فى الدّنيا مثله.
وكان رباح يقول : رضت نفسى عن المآثم حولا فبعد حول ضبطتها ، ورضت لسانى عن ترك ما لا يعنينى خمس عشرة سنة ، فبعد خمس عشرة سنة ضبطته. وهذه الرياضة كانت فيه لأنه مات وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، وكان قد حمل على نفسه الاجتهاد حتى قال : «كنت أحب الصحة فلمّا ضعفت عن العمل أحببت المرض. قال سليمان بن عمران : ولمّا توفى رباح بن يزيد حضر جنازته كافّة الناس ، وغلّقت الحوانيت ، وحضرها الأمير يزيد بن حاتم ، فلّما رأى من كثرة الناس ما رأى التفت إلى من يليه ، فقال : هذا والله عزّ الآخرة لا ما نحن فيه» وقال بعض شيوخ إفريقية : لمّا ولىّ روح بن حاتم أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن غانم القضاء بأفريقية ظهر من عدله فى قضائه ، وفهمه ما فضح به من كان قبله ، وولى فى رجب سنة إحدى وسبعين ومائة وهو يومئذ ابن أربعين سنة ، فأقام على قضاء إفريقية عشرين سنة أيام روح بن حاتم ، ونصر بن حبيب ، والفضل بن روح ، وهرثمة بن أعين ، ومحمد بن مقاتل العكى ، وبعض أيام إبراهيم بن الأغلب ، وسنذكر بعض أخباره معه. وكان ابن غانم إذا أشكلت عليه قصة أرجأ أمر الخصمين حتى يعود عليه جواب مالك بن أنس وأبى يوسف القاضى ، ونذكر بقيّة أخبار عبد الله بن فروخ ، وكان عظيم القدر عند العلماء قال ابن فروخ : كنت يوما عند ابن أبى جمعة فسقطت آجرة من أعلى داره على رأسى فأدمتنى فقال لى : «اخطر إن شئت أرش الجرح وإن شئت ثلاثمائة حديث» قلت : «الحديث» ، فحدّثنى ثلاثمائة حديث. قال : وقلت يوما لأبى حنيفة : «ما منعك أن تلى القضاء؟» فقال لى : «يا بن فرّوخ القضاء ثلاثة ، رجل يحسن العوم أخذ البحر طولا فما عسى أن يعوم يوشك أن يكلّ فيغرق ، ورجل لا بأس بعومه فعام يسيرا فغرق ، ورجل لا يحسن العوم فألقى بنفسه على الماء فغرق من ساعته ، فهذا منعنى من الدخول فى القضاء».
وقال ابن فرّوخ : أتيت الكوفة وأكثر أملى السماع من سليمان بن مهران الأعمش ، فسألت عنه فقيل لى : «إنه غضب على أهل الحديث وحلف ألا يسمعهم إلّا وقت ذكر