فلما وصل كتابه إلى ابن العكى قرأه ودفعه إلى إبراهيم فلما قرأه ضحك ، وقال : «قاتله الله ، ضعف عقله زين له ما كتب به». فكتب إليه ابن العكى : «من محمد بن مقاتل إلى النّاكث تمام ، أما بعد : بلغنى كتابك ودلنى ما فيه على قلة رأيك ، وفهمت قولك فى إبراهيم ، فإن كنت كتبته نصيحة ، فليس من خان الله ورسوله وكان من المفسدين بمقبول منه ما يتنصح به ، وإن كانت خديعة فأقبح الخدائع ما فطن له ، وأمّا ما ذكرت من إسلام إبراهيم إذا التقينا فلعمر أبيك ما يلقاك غيره ، وأما قولك : إنا جربنا من وقعتك أمس ما سنعرفه غدا ، فإن الحرب سجال ، فلنا ، يا تمام عليك العقبى إن شاء الله.
«فى أسفله :»
وإنى لأرجو إن لقيت ابن الأغلب |
|
غداة المنايا أن تفل وتقتلا |
تلاقى فتى يستصحب الموت فى الوغى |
|
ويحمى بصدر الرمح مجدا مؤثلا |
فأقبل تمام من تونس فى عسكر عظيم ، وأمر ابن العكى من كان معه من أهل الطاعة بالخروج إلى تمام ، فعسكروا إلى تونس ثم أقبل على إبراهيم فقال : «ما ترى؟» فقال : «إن تماما طمع فيك ، وتصديق ذلك أنه هرب منى فيمن معه وأنا فى قلة ، ثم دعاه طمعه أن اجترأ على الإقدام عليك وأنا معك وعندى عصابة قد جربتهم ، فأقم حتى أكون أنا الذى أنتدب إلى قتالهم ، وأن أبيت إلا الخروج تقدمتك» فقال : «افعل ما رأيت». فبعث إبراهيم إلى أهل بيته ، وأصحابه ومعه عمران بن مخالد ، وعمرو بن معاوية وابن العكى ورائهم فى معظم العسكر ، ثم ساروا حتى نزلوا منية لخيل ، وأقبل تمام حتى صار بطساس وعبأ إبراهيم الخيل ، وزحفوا إليه فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم تمام وقتل جماعة من أصحابه ومضى إلى تونس ، وانصرف ابن العكى إلى القيروان. ثم أمر إبراهيم بالمسير إلى تمام بتونس وذلك مستهل المحرم سنة أربع وثمانين ومائة.
فلما بلغ تمام إقباله كتب إليه فى الأمان ، فأمنه وأقبل به إلى القيروان يوم الجمعة لثمان