عمرو بن معاوية فقال : «أصلح الله الأمير ، ما نشك فى طاعتك وخلافه ، ولا فى حقك وباطله ، وإنك إذا نهضت فى قلة من المال والفرسان بنفسك وأهل بيتك ، لواثق بأن ينصرك الله نصرا يكون مثلا فى الناس ، لأنك أهل لذلك بحسن نيتك وخلوص سريرتك ، وإنك بقية أبرار وخلف أخيار ، ونحن نبلغ مبلغ الجهد فى مناصحتك وإيثار هواك فى الحق على هوانا ، ولك الإجابة منا إلى الدّعوة إليه إن شاء الله. فقام عمران بن مخالد ، فقال : «أصلح الله الأمير ، فو الله ما أحصى ما شهدت من العساكر ما منها عسكر ، إلا وطلائعه أكثر من عسكره والله لا يأتيك أمر من الموت بين تلك الجماعة ، ولكأنى بك غدا على منبر القيروان ، وإن نفسى لتحدثنى من نصر الله عز وجل ما لو أرسلت رجلا واحدا لأخذها لك إن شاء الله».
وأقبل إبراهيم يريد القيروان وعلى مقدمته عمران بن مخالد ، فلما علم بذلك تمام خرج هاربا إلى تونس ، ولما وصل إبراهيم دخل المسجد ، فصعد المنبر واجتمع إليه الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أيها الناس ، اذكروا ما كنتم فيه من الضر ، وتتابع عفوان البلايا إذا الدولة عليكم لا لكم ، واستقر قلوبكم خشية الاتباع لا تطمعون فى إنصاف ولا يتجاوز همّتكم الكفاف لا تنتصرون من عدوكم إلا بالدعاء ، فى كل يوم دولة وسراد وعصبية وتحرق ولا يغير صاحب ذى خلاف ولا يرعوى ذو خلاف إلى طاعة ، فقد عادت عليكم ... يأمن بها خوفكم ويعز بها ذلّكم ، ولست أميركم ولكنى أخذت ثغر أمير المؤمنين ممن أخذه بالخلاف ، وأميرهم محمد بن مقاتل ، وأنا مكاتبه ثم مسلمه إليه إن شاء الله. ثم أنشد يقول :
لو كنت لاقى تمام لسار به |
|
ضرب يفرق بين الروح والجسد |
ولكنه حين سام الموت يقدمنى |
|
ولىّ فرارا وخلى لى عن البلد |
إن يستقم نعف عما كان قدمه |
|
وإن يعد بعدها فى غيه نعد |