له ، فحكم لها عليه ، فبلغ ذلك من ابن زرعة كل مبلغ ، فوافاه فى طريق الديدان ، فقال له : «يا بن الفاعلة!» وأغرق فى سبه ، فلم يرد عليه جوابا ، فلما كان بعد ذلك خرج أيضا إلى الديدان فلقيه ابن زرعة فسلم عليه ابن غانم وبره ، وقال له : «امض بنا» فمضى معه إلى متنزهه ، فأحضر طعاما فأكل معه ثم انصرف ، فلما أراد مفارقته قال له : «يا أبا عبد الرحمن ، اغفر لى ، فقد كان من يخطأ إليك» فقال : «أما هذا فلست أفعله حتى أخاصمك بين يدى الله تعالى ، وأما أن ينالك منى فى الدنيا مكروه أو عقوبة فأنت آمن من هذا».
يروى أن عبد الله بن غانم : جاءه ابنه من عند المعلم فسأله عن سورته وحفظه فقرأ عليه أم القرآن ، فأحسن فى قراءته ، فدفع له عشرين دينارا ، فلما جاء بها الصبى إلى المؤدب أنكر ذلك وظن بالصبى ظنا فأخذها وجاء بها إلى ابن غانم ، فقال له : «لم رددتها ، هل استقللتها؟» فقال المعلم : «ما أتيت لهذا ، إنما ظننت بالصبى ظنا» فقال له : «لحرف واحد مما علمته يعدل الدنيا وما فيها.»
وكان ابن غانم حسن اللباس ، يلبس من الثياب رقيقها ، وقد جعل للنساء يوما يجلس فيه للنظر فيهن ، فكان يلبس القرق الدنىّ والثياب الخلقة ، ثم يضرب ببصره إلى الأرض ، فمن كان لم يره قل ذلك لم يشك أنه مكفوف. وكان له حظ من الصلاة فى ليله ، فإذا انقضت صلاته وقعد فى آخرها للتشهد ...
[ولما توفى ابن غانم قال ابن الأغلب : «يا أبا محرز ، إنى عزمت على توليتك القضاء» فقال له أبو محرز : «لست [أصلحه لهذا الأمر ، ولست أطيقه» ، فقال له إبراهيم بن الأغلب] : لو كان لأغلب بن سالم ويزيد بن حاتم باقيين [لم أكن أنا أميرا] ولو كان عبد الرحمن بن أنعم وعبد الله بن فروخ باقيين [لم تكن أنت قاضيا ، ولكل زمان رجال وعلى الأمير الاختيار : ، فقال أبو محرز [متمثلا] :
[خلت الديار فسدت] غير مسوّد |
|
ومن الشّقاء تفردى بالسؤدد |