فأذكرها» قال «أوصيك بتقوى الله ، وبمدينة القيروان فتى يقال له عبد الله بن غانم قد فقه ، فوله قضاء إفريقية» فقلت له : «نعم» ثم ودعته ، فذلك الوقت وليت.
وكان هارون الرشيد يكاتب ابن غانم وكان بعد ذلك قضاؤه من قبله لا من قبل ولاته على إفريقية. وكان يكتب فى عنوانه : من هارون أمير المؤمنين إلى قاضى إفريقية عبد الله ابن عمر بن غانم.
وحكى سحنون قال : شهد قوم من أهل البادية عند عبد الله بن غانم ، فلم يحسنوا الشهادة ، فقال : «كل من بالبادية طريف إلا الرجال». وكان ابن غانم يكتب إلى مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ وإلى أبى يوسف القاضى فيما ينزل من نوازل الخصوم. فحكى عن هشام بن معدان كاتب أبى يوسف القاضى : قال : كنت إلى جانب أبى يوسف فى مجلس قضائه إذ ورد عليه رجل معتم فى زى أهل إفريقية فصاح : كتاب أبى عبد الرحمن عبد الله بن غانم قاضى إفريقية ، فدعا به فلما صار بين يديه دفع الكتاب إليه ، فسأله من أنت قال : «أنا أبو التمام عبد الوهاب بن محمد خرجت حاجا ، فكتب معى ابن غانم هذا الكتاب إليك وأمرنى بإيصاله بنفسى وأخذ الجواب» ، فقال هاشم : فدفعه إلى ، وقال «فضه واقرأه وارفع صوتك يا هشام وأعلن بقراءته» ففعلت وقرأته عليه وأصاخ نحوه فإذا فيه مسائل مما نزل به يشاوره فيها ويستقضيه فى جوابها ، فلما فرغت من قراءته أمر بدرجة ، ثم التفت إلى أبى التمام وقال : «احضر سفرك؟» قال : «نعم» قال : «قد ترى ما نحن فيه ولعله لا يتهيأ لك الوصول إلينا ، فخذ جوابك فى مقامك ، يا هشام ، اكتب له فى ظهره : «من يعقوب بن إبراهيم إلى عبد الله بن غانم قاضى إفريقية» ثم دعا له وشكره على تثبته فيما ينزل به وأعلمه أن ذلك كان صدر السلف الماضين ، ثم تابع إملاء المسائل على نحوها فى كتابه ، كل مسألة وجوابها ، وما أعاد نظرا فى الكتاب ، وأمرنى فختمته وعنونته ، وألقاه إلى أبى التمام وقال له : «هذا جواب صاحبك ، فإن أمكنك الوصول إلينا جددت معك كتابا» قال هشام : هذا بعض ما يذكر من حفظ أبى يوسف رحمه الله.
قال ابن عبدون القاضى : كان ابن غانم أحكم الناس ، خاصم عنده ابن زرعة أختا