وبعد هاتين السنتين ـ كما يذكر ابن خلدون ـ رأى هرثمة بن أعين أنه قد قام بمهمته فى إفريقية فى إرساء قواعد الأمن والاطمئنان فى البلاد ، ولكن الحقيقة أنه تعب وضاقت نفسه وفضل العودة إلى بغداد ، فعاد إليها سنة ١٨١ ه ـ ٧٩٧ م وأصبح من خواص هارون وأهل ثقته ، فأسند إليه منصب قائد الحرس (١).
وفى سنة ١٨١ ه ولّى أمير المؤمنين الرسيد على إفريقية بعد هرثمة محمد بن مقاتل العكى (٢) ، وكان رضيع الرشيد ، وكان أبوه من كبار أهل دولته ، ولم يكن محمود السيرة فيما تولى للرشيد من ولايات ، ولذلك فإنه عندما دخل إفريقية لم يسر فى حكمها بطريقة تعجب الناس ، فاضطربت الأمور فى إفريقية ، وعلى الأخص فيما فعله مع الفقيه البهلول بن راشد بضربه بالسياط حتى مات مما أثار عليه غضب الفقهاء والعلماء وأهل إفريقية لما كان يتمتع به هذا الفقيه من مكانة ومنزلة فى نفوس أهلها ، كما اختلف عليه جنده لإنقاص رواتبهم مما جعلهم ينضمون إلى ثورة تزعمها ابن تميم التميمى (٣).
__________________
(١) انظر فى ذلك :
ابن الخطيب المصدر السابق ج ٣ ص ١١ ، وأحمد بن الضياف اتحاف أهل الزمان ج ١ ص ٩٨ ، وابن خلدون المصدر السابق ج ٤ ص ٤١٩ ، وابن أبى دينار المصدر السابق ص ٤٨. والطبرى المصدر السابق ج ٨ ص ٣٢٣ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ، والرقيق القيروانى المصدر السابق ص ٢٠٣.
(٢) وكان جعفر بن يحيى البرمكى شديد العناية بمحمد بن مقاتل العكى ، فقدم إلى القيروان سنة ١٨١ ه ، وكان أبوه من كبار القائمين بالدعوة العباسية ، وحضر مع قحطبة بن شبيب حروب المارونية ، ثم قتله عبد الله بن على لما خلع وإدعى الأمر.
انظر ابن الأبار : الحلة السيراء ج ١ ص ٨٨ ـ ٨٩.
(٣) هو تمام بن تميم التميمى جد أبى العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام صاحب كتاب طبقات إفريقية وهو ابن عم إبراهيم بن الأغلب صاحب إمارة الأغالبة ، خرج تمام بتونس على محمد بن مقاتل العكى والي إفريقية واستطاع دخول القيروان فى رمضان سنة ١٨٣ ه ، فنهض إبراهيم بن الأغلب الذى كان فى ذلك الوقت حاكم الزاب لنصرة محمد بن مقاتل العكى ، فكتب تمام إلى إبراهيم بن الأغلب كتابا يستدعيه ويستعطفه ، وقد وصف لنا ابن الأبار كيفية استقبال تمام كتاب إبراهيم ومدى الخوف والرعب الذى نزل به نقلا عن فلاح الكلاعى أنه قال («كنت عند تمام يوم قرأ كتاب إبراهيم ، فذهب لونه ثم ارتعد حتى سقط الكتاب من يده») وكان تمام مشهورا بالصرامة والشجاعة