وهكذا التهت رئاسة المهالبة فى إفريقية التى استمرت حوالى ربع قرن من الزمان أى من أواخر أيام أبى جعفر المنصور إلى عهد هارون الرشيد ، ذلك لأن تجربة إسناد حكم إفريقية إلى فرد بعينه مع بقائه على التبعية لدولة الخلافة كانت تجربة ناجحة ، فقد أفادت إفريقية فائدة محققة من فترة المهالبة فاستقرت خلالها الأحوال ، وعمرت المدن وبنيت المساجد واطمأن الزراع والتجار وزاد الدخل خصوصا فى أيام أكبر أولئك المهالبة وهو يزيد بن حاتم الذى حكم خمسة عشر سنة.
وبعد نهاية حكم المهالبة عادت إفريقية إلى التبعية المباشرة لدولة الخلافة وتوالى عليها ولاة بغداد ، ولكن الفوضى سادتها إذ اشتد تنافس زعماء العرب فى البلاد فى الوصول إلى السلطان فى القيروان أو الانفراد بالسلطة السياسية فى نواحيهم.
ولمّا كانت الخلافة العباسية شديدة الاهتمام بشئون ولاية إفريقية التى تشمل طرابلس وإفريقية والزاب ، والتى ذكر اليعقوبى الذى زار إفريقية فى عصر الأغالبة أن منتهى سلطة العباسيين غربا كانت حتى مدينة إربة الواقعة على المجرى الأعلى لنهر شلف ـ ولّى هارون الرشيد على إفريقية عاملا عربيا من طراز فريد فى معدنه هو هرثمة بن أعين وكان من أكبر رجال الحزب العربى فى بلاط الرشيد ، وكان شيخا مجربا فى فن الحروب وحكم الولايات (١).
حكم هرثمة بن أعين إفريقية قرابة من العامين من (١٨٠ ه ـ ١٨١ ه / ٧٩٦ م ـ ٧٩٧ م) وخلال هذه الفترة القصيرة ساد إفريقية هدوء واستقرار ، فعمل هرثمة على تجديد ما تخرب من المدن والموانىء والمنشأت ليعيد ثقة الناس فى الدولة العباسية ، فجدد ميناء تونس ، وأصلح مسجد القيروان ونظم الأسواق فيها ، واهتم ببناء قصور العبادة.
__________________
(١) راجع فى ذلك : د. حسين مؤنس معالم تاريخ الغرب والأندلس ص ٧٩ ، وابن عذارى : المصدر السابق ١١٠ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ص ٩٥ ـ ٩٦.