فأعاد بناء المسجد الأعظم بالقيروان ، وأعطى للفقهاء المالكية مكانة وأهمية كبيرة واعتمد عليهم فى محاربة الخوارج ، فكان يستشيرهم ويأخذ برأيهم ، مما جعل إفريقية قاعدة للمذهب السنى أو قاعدة للسنة على مذهب الإمام مالك بن أنس فى بلاد المغرب ، وهذه صبغة ذات مغزى بعيد فى تطور تاريخ المغرب الإسلامى وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل فيما بعد (١).
ولما توفى يزيد بن حاتم تقلد ولاية إفريقية بعده ابنه داود الذى أخذ له يزيد البيعة بولاية العهد فى أثناء مرضه ، فاستمر فى الحكم تسعة شهور ونصف يحارب أمراء قبائل البربر الخوارج ، فثار عليه زعيم البربر نصير بن صالح الإباضى فبعث داود إليه أخاه المهلب بن يزيد فهزموه وقتلوه هو ومن معه من أصحابه ، فوجه إليهم داود قائده سليمان بن يزيد فى جيش يقدر ب ١٠٠٠٠ مقاتل ، فهرب البربر من أمامه ، فتتبعهم وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف قتيل ، وظل داود مقيما فى إفريقية حتى قدم عمه روح بن حاتم ليتقلد إمارة إفريقية من قبل هارون الرشيد ، أما داود فأسند إليه هارون ولاية مصر ثم ولاية السند وظل بها حتى مات فيها.
كان روح قد تقلد عدة مناصب إدارية قبل مجيئه إفريقية منها ولاية البصرة والكوفة وطبرستان وفلسطين والسند ، وكان روح أكبر سنا من أخيه يزيد ، ولكنّ حكمه لإفريقية لم يدم ، إذ عزله الرشيد وأسند ولايتها لنصر بن حبيب المهلبى.
وعلى أى حال فقد كان آخر أمراء المهالبة لإفريقية الفضل بن روح بن حاتم الذى تولى سنة ١٧٧ ه / ٧٩٣ م ولم يمكث فى حكمه إلا سنة ونصف تقريبا ، وثار عليه جند إفريقية والمغرب لاستبداده بالسلطة ، فقام عبد الله بن عبدويه الجارود قائد جند تونس ، فتمكن من الإستيلاء على السلطة وقتله سنة ١٧٨ ه ـ ٧٩٤ م (٢).
__________________
(١) انظر فى ذلك : د. حسين مؤنس معالم تاريخ المغرب والأندلس ٥٧ ، والنويرى المصدر السابق ج ٢٤ ص ٨٦ ـ ٨٨ ، وابن الأبار الحلة السيراء ج ١ ص ٧٣.
(٢) انظر فى ذلك : ابن عذارى البيان المغرب ج ١ ص ٩٩ ـ ١٠٦ ، والسيد عبد العزيز سالم المرجع السابق ص ٢٧٣ ، والطبرى تاريخ الرسل والملوك ج ٨ ص ٢٧٢ ، والنويرى نهاية الأرب ج ٢٤ ص ٨٩.