ثلاثمائة رجل يستغيثون إليه من الكاهنة فيما نزل بهم من خراب ومضى حتى وصل إلى قابس ، فخرج إليه أهلها وكانوا قبل ذلك يتحصّنون من كل أمير مرّ بهم ، فاستأمنوا إليه وأدخلوا عامله فأمنّهم على مال معلوم. فاستطال طريق القيروان فمال إلى طريق قفصة وقصطيلية ونفزاوة ، وبعثوا إليه أيضا يستغيثون به من أمر الكاهنة فسرّه ذلك وبلغ الكاهنة قدومه فرحلت من جبل أوراس تريده فى خلق عظيم [فرحل إليها فلما كانت] بالليل قالت لابنيها : «إنى مقتولة ، وأرى رأسى ... أذنابها إلى المشرق من حيث تأتينا الشمس [تركض به الدواب مقطوعا] بين يدى ملك العرب الأعظم الذى بعث هذا الرجل» ، وقال لها [ابن] يزيد : «فإذا كان هذا فارحلى بنا وخلّى عن البلاد» وقال لها أولادها مثل ذلك ، قالت : «كيف أرحل وأفّر ، وأنا ملكة والملوك لا تفر من الموت ، فأقلّد قومى عارا آخر الدّهر» فقالوا لها : «فما الذى تخافين على قومك؟» قالت : «إذا أنا متّ فلا أبقى الله منهم أحدا على الدنيا» فقال لها [ابن] يزيد وأولادها : «ما نحن صانعون؟!» فقالت : «أما أنت يا ابن يزيد فسوف تدرك ملكا عظيما عند ملك العرب الأعظم ، وأما أولادى فسوف يدركون سلطانا مع هذا الرجل الذى يقتلنى ويعقدون للبربر عزا» ، ثم قالت : «اركبوا واستأمنوا إليه فركب خالد بن يزيد وأولادها فى الليل وتوجهوا إلى حسّان ، فأخبره [ابن] يزيد بقولها «أنا مقتولة» وقال له : قد وجهت إليك بابنيها ، فأمر بهما فأدخلا العسكر ، وأمر بحفظهما ، وقدم [ابن] يزيد على أعنّة الخيل ، وخرجت الكاهنة ناشرة شعرها فقالت : «انظروا ماذا دهمكم واعملوا لأنفسكم ، فإنى مقتولة!» والتحم القتال ، واشتد الحرب ، واستحر القتل فى الفريقين حتى ظنّ الناس أنه الفناء ، فانهزمت الكاهنة واتبعها حسان حتى قتلها ، ونزل فى الموضع [الذى قتلت فيه وهو] بئرها وعليه بقى رأسها ، فسمى الناس هذا [البئر بئر الكاهنة] إلى اليوم.
وكانت مع حسان جماعة من البربر ... فى ولدى الكاهنة وقرّبه وأكرمه ، ثم إن البربر استأمنوا إليه فلم يقبل أمانهم ألا أن يعطوه من جميع قبائلهم اثنى عشر ألفا ، يكونون مع العرب مجاهدين فأجابوه وأسلموا على يديه ، فعقد لوائين لولدى الكاهنة ، لكل واحد