إفريقية سنة أربع وعشرين ومائة ، فقدمها فى شهر ربيع الآخر منها. فكتب إليه أهل الأندلس ، ومن بها من أهل الشام وغيرهم ، يسألونه أن يبعث إليهم واليا ، فبعث إليهم أبا الخطّار بن ضرار الكلبى فسار فى البحر من تونس إلى الأندلس واليا عليها فأدّوا إليه الطاعة ، ودامت له البلاد ، فلم يمكث حنظلة بالقيروان إلّا يسيرا حتى زحف إليه عكاشة الصفرى الخارجى بجمع عظيم من البربر ، وقد كان حين انهزم من المكنسة فى قبائل البربر ، فزحف إلى حنظلة فى عسكر لم ير أهل إفريقية مثله قطّ من البربر ولا أكثر منه ، وزحف أيضا حنظلة عبد الواحد بن يزيد الهوارى فى عدد عظيم ، وكانا افترقا من الزّاب ، فأخذ عكاشة على طريق مجّانة ، فنزل القرن ، وأخذ عبد الواحد بن يزيد على طريق الجبال فنزل «طساس» وعلى مقدمته أبو عمره المغيلى ، فرأى حنظلة أن يجعل قتال عكاشة قبل أن يجتمع عليه البربر ، فزحف إليه بجماعة أهل القيروان ، والتقوا بالقرن ، فكان بينهم قتال شديد فنى فيه خلق كثير من الناس ، وهزم الله عكاشة وأصحابه ، فقتل من البربر ما لا يحصى كثرة ، وقيل إن حنظلة لما رأى كثرة ما دهمه من البربر قال لأصحابه : «نخندق على أنفسنا ونستمد أمير المؤمنين» ، فقال عمرو بن عثمان القرشى ، وهو إذ ذاك شاب حدث السنّ : «الله الله يا حنظلة ، اتستمد أمير المؤمنين والكرائم محصورات يمتن هزلا ، بل نخرج إلى عدونا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين».
فعزم حنظلة ، وعزم الناس ، ونزل العدو وخرج رجل من البربر من أصحاب عكاشة يدعو إلى البراز ، فلم يجبه أحد فقال حنظلة : «ألا أحد يبرز إلى هذا!؟» ، فبرز إليه حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع فصاح به أخوه : ارجع عن هذا الكلب! قال حنظلة : «ترد أخاك ، فيرد كل واحد وليه عن هذا الكلب ، خلوا لهذا الكلب الذمار ، امض يا بن أخى. فمضى القرشىّ ، فلما دنا من البربرىّ بدره البربرى بالضربة ، فأعطاه القرشى الدّرقة ، ثم ضرب ساقيه فبراهما ، وسقط البربرى ، فجلده القرشى بالسيف ، فقتله ، وقال حنظلة : «الحملة!» فحمل الناس ، فهزم الله عكاشة ومن معه ، وكانت النساء قد ركبن ظهور البيوت بالقيروان ، فإذا رأين الغبار سائرا إلى الجبل كبّرن وسجدن ، وإذا رأينه مقبلا صرخن واستغثن ، فبعث حنظلة البشير بهزيمة البربر ، وانصرف راجعا