صاحوا بالسلاح ، ثم زهق إلياس عنهم ، فقالوا : «قد دخل بين لحى الأسد ، ونحن من هنا وأهل تونس من هناك ، نستريح ونعلف ، ثم نزحف إليه على أثره» ونزل القوم عن الخيل وحطّوا السلاح وتضجعوا وانسلّ الرجل إلى إلياس حتى جاءه فى المكان الذى أمره عبد الرحمن أن يقف فيه ، فدفع إليه الكتاب ، فإذا فيه : أن القوم قد أمنوا فانسلّ إليهم حتى تخرج عليهم من كثب وهى فى غفلتهم. فتخلل إلياس الأشراف حتى خرج عليهم ، فلم يدرك القوم لبس الدّروع ، وكان همّهم أخذ السيوف ، فقتلوا وقتل ابن عطّاف ، وأصبح عبد الرحمن على كدية الجلود ينتظر ، حتى طلعت عليه الشمس ، إذ قيل له : هذا فارس قد أقبل وتجاب ، قال : هل ترى غيره؟ قال : «لا» قال : «فهذا بريد ، وهو الفتح» وجاء البريد ، فلما رآه أقبل إليه ورمى برأس ابن عطّاف بين يديه فدعا بدواة وقرطاس وكتب إلى إلياس : «إن عروة بن الزبير وأهل تونس سيظنون أنّا نغتنم هذا الفتح ، فإذا جاءك كتابى ، فانزل واسترح واعلف ، ثم سر إلى تونس ، فإن قدرت أن تصبح عليهم فافعل ، فإنى لا أشك أنهم فى غفلة» فمضى إلياس ، فسار ليلته حتى أصبح دون تونس ، وعروة فى الحمام.
وكان إلياس قد فرق خيله مائتين على طريق الجزيرة ومائتين على طريق باجة وهو فى مائتين على طريق القيروان ، فقيل لعروة : «أصلح الله الأمير ، خيل على طريق الجزيرة!» فقال : «هؤلاء أهل الجزيرة جاءوا مددا لنا» فقالوا : «وخيل على طريق باجة!» قال : «ابن قويدر جاء مددا لنا» قالوا : «وخيل على طريق القيروان!» ، فعندها أيقن وبادر وخرج ، فما أدرك إلا ملحفة يتنشّف بها حتى دخل إلياس فبادر عروة إلى فرسه عريانا ، ولم يمهل حتى يسرج له ، وولى ، فلما خشى إلياس أن ينجو ، صاح به : «يا عروة ، يا فارس العرب!» فكّر عليه جاهزا فى سراويل وملحفة بغير سلاح ، فضربه إلياس فتلقاها بالملحفة وعانقه ، فوقعا إلى الأرض ووقع عروة على إلياس ، فجعل ينازعه على قائم السيف ، حتى غشيه أفرنجى من موالى عبد الرحمن فطعنه برمح بين كتفيه فأخرجه من صدره واحتزّ رأسه ، وحمله إلى عبد الرحمن فأقام إلياس بتونس حتى كتب إليه