عبد الرحمن أن يخرج إلى قويدر ، وخرج بناحية طرابلس رجلان يقال لأحدهما عبد الجبار والآخر الحارث ، وهما من البربر يدينان بدين الخوارج ، وكان بطرابلس عامل لعبد الرحمن يقال له بشر بن حنش مولى لقيس ، فخرج فى جماعة من مشائخهم إلى البربر ليصالحوهم ، فقتلوهم عن آخرهم. فبلغ ذلك عبد الرحمن ، وهو بالقيروان فى وقت القائلة فخرج فى ذلك الوقت ثم لحقته المضارب وأتاه الناس فسار حتى انتهى إلى مدينة قابس ، فهمّ الناس وأرادوا عزله ونفيه وتولية شعيب بن عثمان بن أبى عبيدة ، فأبى ذلك شعيب فانتهى ذلك إلى ابن حبيب فانصرف من قابس ، فلما عاد إلى القيروان أصلح ما كان يخشى فساده ، فلما اعتدلت له الأمور عاود غزوة طرابلس ، سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وخلّف على القيروان عمر بن نافع ، فانتهى عبد الرحمن إلى طرابلس فقاتل عبد الجبار والحارث ، فقتلهما وكان الذى ولّى قتالهما شعيب بن عثمان وكان يدينان بدين الإباضية ، ويدعوان إليها وأوعب عبد الرحمن فى قتل البربر ، وامتحى الناس بهم وابتلاهم بقتل الرجال صبرا : يؤتى بالأسير من البربر ، فيأمر من يتهمه بتحريم دمه بقتله ، فابتلى جماعة من الناس فما سلم منهم غير عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، أبى ذلك وعصمه الله منه.
وكان فى موضع طرابلس وحاضرتها وموضع جماعتها يومئذ نهر جار ، فأمر بالرّحيل إلى مدينة طرابلس ، وبنى عليها السور وانتقلوا إليها ، وذلك سنة اثنين وثلاثين ومائة ، وكان عبد الرحمن بن حبيب قد كتب إلى مروان بن محمد وأهدى إليه هدايا وتقول على حنظلة ونسب إليه أهوالا كذب فيها ، فكتب إليه مروان بولايته على إفريقية والمغرب كله والأندلس ، وفى حين كونه بطرابلس كتب إليه مروان بن محمد كتابا يستدعيه إلى القدوم عليه ، وخلّف عبد الرحمن على طرابلس بكر بن حسين القيسى ، وأقام ابن حبيب على القيروان حتى كان سنة خمسين وثلاثين ومائة ، فغزا تلمسان حتى انتهى إليها ، وخلّف على القيروان حبيبا ابنه ، فظفر بما لم يظفر به أحد قبله. ثم بعث إلى إفريقية فأتى إليه من سبيها بما لم يؤت بمثله من بلد ، ودوّخ المغرب كلّه وأذل من به من القبائل ، ولم يهزم له عسكر ولا ردّت له راية ، وتداخل جميع أهل المغرب خوفه والحذر من سطوته.