من باب سالم وباب أصرم وعسكرا بين باب نافع وباب عبد الله ، وفى هذا المعسكر عمرو بن عثمان الفهرى ، وكان قد سار معهم.
ويقال : إنّ عدتهم كانت فى ذلك اليوم مائة ألف وثلاثين ألفا ، وكان عمر يخرج إليهم فى كل يوم فيحاربهم ، فلم يزالوا كذلك حتى ضاق أمرهم وأكلوا دوابّهم وسنانيرهم وكلابهم ، وأخذ الناس فى أكل لحوم الخيل ، فغلا الملح حتى انتهى : أوقية بدرهم ، واضطرب على عمر أمره ، وضّج أصحابه وساءت آراؤهم ، فقال لمن معه من الجند : «قد كان أصابكم من الجهد أمر عظيم حتى قدمت عليكم ، ففرّج الله عنكم بعض ما كنتم فيه ، وقد ترون ما أنتم الآن فيه ، فإن شئتم خرجتم على ذراريهم وبلادهم وجعلت عليكم أى الرجلين شئتم : جميلا أو المخارق ، وأخرج فى ناس من الجند فأغيره على نواحيهم ونحتكر الميرة؟ قالوا «قد رضينا» قال : «وكان أبو حاتم الإباضى فى ثلاثمائة ألف وخمسين ألفا ؛ الخيل منها خمسة وثمانون ألفا ، فلما هم بالخروج قالوا : «تريد أن تخرج أنت ونبقى نحن فى الحصار!» ، فقال : «أقيم معكم اسرّح جميلا أو المخارق ومن أحببتم وأخرج أنا فى أناس من الجند وأغير على نواحيهم؟» ، قالوا «نعم» فلما جاء إلى باب المدينة قالوا : «تخرج أنت ونقيم نحن ، لا تفعل» فغضب عمر وقال : «والله لأوردنكم ونفسى حياض الموت».
وجاءه وهو محصور كتاب خليدة بنت المعارك ، امرأته تخبره أن أمير المؤمنين استبطأه ، فبعث يزيد بن حاتم ، وهو قادم على إفريقية فى ستين ألفا فقال : «لا خير فى الحياة بعد هذا!». قال خداش بن عجلان : «فأرسل إلى فجئته ، وقد قام عرق بين عينه وهو علامة غضبه ، فأقرأنى الكتاب فدمعت عيناى ، قال : «مالك؟!» قلت : «وما عليك أن يقدم عليك رجل من أهلك فتخرج من هذا الحصار فترجع إلى أمير المؤمنين فيوليك خراسان ـ وكانت مناه ، فقال : «تتحدث نسوة العتيك أنّ يزيدا أخرجنى من الحصار ، إنّما هى رقدة حتى أبعث للحساب ، ارجع إلى أهلك واحفظ وصّيتى» ، وكان قد كتب وصيتة. قال خداش : فوصّى بما أحبّ ، وخرج من الغد فلم يزل يطعن ويضرب