يستميل بعض أمرائهم لينصرف بعضهم عن بعض ومن ذلك أنه دفع إلى ابن أبى قرة أربعة آلاف درهم وأثوابا على أن يعمل فى صرف أبيه ، فرّد الصفرية إلى بلدهم ، فعمل ذلك فى ليلته ، فلم يعلم بذلك أبو قرّة حتى ارتحل العسكر منصرفين إلى بلادهم تجريدا ، فلم يجد بدّا من إتباعهم ، فلما انصرفت الصفرية وجه عمرو بن حفص معمر بن عيسى العبدى فى ألف وخمسمائة إلى ابن رستم ، وهو فى تهودة فى خمسة عشر ألف ، فالتقوا فانهزم ابن رستم ، وقتل من أصحابه نحو من ثلاثمائة ووصل ابن رستم منهزما إلى تيهرت ، ثم أقبل عمر بن حفص يريد القيروان ، واستخلف على طبنة المهنّأ بن المخارق بن عفّان الطائى فلما بلغ أبو قرة مسير عمر بن حفص أقبل فى جمع كثير حتى حصر المهنّأ ، فأرسل إلى أبى قرة يسأله الانصراف عنه ، فأرسل أبو قرة إليه : «نصيبى منك ومن قبلك أحرار ، ولكن لا سبيل إلى ترك غنيمة المسلمين» ، فلما قال له ذلك تحمّلوا عليهم ، فانهزم أبو قرّة واستباحوا عسكره ، وكان أبو حاتم لما حصر القيروان أقام عليها ثمانية أشهر ، وليس فى بيت مالها درهم ولا فى أهرائها شىء من الطعام ، وكان الجند تلك المدة يقاتلون البربر كل يوم فى طرفى النهار حتى أجهدهم الجوع ، وأكلوا دوابّهم وكلابهم ، وجعل الناس يخرجون فيلحقون بالبربر من الجهد.
وبلغ ذلك عمر فأقبل يريد القيروان فى نحو سبعمائة فارس من الجند ، حتى نزل مدينة الأربس ، فبلغ البربر إقباله فزحفوا إليه بأجمعهم وخلّوا عن القيروان ، فلما بلغه إقبالهم توجّه إلى ناحية تونس ، وأغذّ السير ومضى البربر حتى صاروا إلى سمنجة ، وسار عمر من تونس ، وخرج جميل بن حجر من القيروان ، فبث خيله حول القيروان وجعل يدخل ما يصلحه من الطعام والحطب والمرافق واستعد للحصار ، وخندق خندقا على باب أبى الربيع فسكن فيه الجند ، ثم أقبل أبو حاتم فى جنوده حتى وصل إلى بحيرة المسروقين ، فنهض إلى عمر بمن معه ، فقاتله أشّد قتال ثم تكاثرت البربر ، فانكشف حتى سار إلى القنطاط ثم تقاتلوا بالقنطاط ، وأشتد قتلهم وكاثروه حتى انحاز إلى خندقه بباب أبى الربيع ، ثم زحف أبو حاتم بعساكره حتى نزل بالقرب من باب أبى الربيع ، وأنزل عسكرا