وقتلوا منهم وافترق أكثر الناس عن أبى كريب ، ورجعوا إلى القيروان ولم يعلموا ما حلّ بهم من البربر ، وثبت أبو كريب فى نحو من ألف رجل من وجوه الناس ، من أهل البصائر والخشية والدين مستبسلين إلى الموت ، فقاتلوا باجتهاد فقتل أبو كريب ـ رحمه الله ـ ومر به بعض أصحابه فغطاه برداء كان عليه لئلّا يراه الناس فيفشوا.
فقاتلوا حتى قتلوا ، ودخلت ورفجومة القيروان ، فاستحلوا المحارم وارتكبوا العظائم ، ونزل عاصم بعسكره فى الموضع الذى يسمى «مصلىّ روح» واستخلف على القيروان عبد الملك بن أبى الجعد النفزى ، وسار إلى حبيب ، وهو بقابس فقاتله فانهزم حبيب ولحق بجبل أوراس ، وهم أخوال أبيه ، فسار عاصم إلى أوراس فى طلب حبيب ، فالتقوا فهزم عاصم وقتل هو وأكثر أصحابه ، وأقبل حبيب إلى القيروان فخرج إليه عبد الملك بن الجعد ، فانهزم حبيب وتكالبت عليه نفزة من كل مكان ، فقتلوه فى شهر المحرم سنة أربعين ومائة ، وكانت ولاية عبد الرحمن بن حبيب عشر سنين وأشهر ، وولاية إلياس أخيه ستة أشهر ، وولاية حبيب ابنه سنة وستة أشهر.
ولما حكمت ورفجومة على القيروان قتلوا من كان بها من قريش وساموهم سوء العذاب وربطوا دوابهم فى المسجد الجامع ، وندم الذين أعانوهم ودعوهم أشد ندامة.
فحكى أبو حسان : أن رجلا من الإباضية دخل القيروان ، فرأى ناسا من الورفجوميين قد أخذوا امرأة وكابروها على نفسها ، وهو ينظر والناس ينظرون ، فترك حاجته التى أتى فيها ، وخرج حتى أتى أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافرى فأعلمه الذى رأى ، فخرج وهو يقول : «لبيك اللهم لبيك» ، واجتمع إليه أصحابه من كل مكان وتوجهوا نحو طرابلس ، فأخرجوا عمرو بن عثمان القرشى منها واستولى أبو الخطاب على طرابلس ، وبلغه أن المسوّدة قد أقبلوا إليه من ناحية برقة ، وعليهم العوام بن عبد العزيز البلخى ، فخرج ابن الخطاب لجمعه حتى إذا كان بودراسة وجه رجلا من أصحابه يقال له مالك بن سميران ... وفى ولاية عمر بن حفص اشتدت فتنة الخوارج الصفرية والإباضّية عليه ، وأحاطت به عساكرهم بمدينة طنبة بالزاب ، فأخذ