فحضرت ، فرمى إلىّ بالكتاب فقرأته وذهبت لأتكلّم ، فقال : «كفيت مؤونة الاحتجاج ، وقال لهما : «لو لا أنى لم اتقدم إليكما لقتلتكما» قال يزيد : «فأخذت الكتاب وخرجت ، فجعلت الكتاب فى كتب كانت معى وقدمت إلى إفريقية فما لبث أن وجه إلّى شيبة بن عقال فى بعض ما توجّه الخلفاء فيه ، فبلغت فى برّه وإكرامه فوق ما أملّه ، فلمّا أراد الانصراف لم يكن قط إلّا على المودّة والمحبّة ، فضربت بيدى إلى ذلك الكتاب فأخرجته ورميته إليه وقلت له : «ولا غرو كتبت هذا الكتاب؟!» فسألنى الإقالة والتغمّد ، فقلت له : «لو لا أنك تستغفلنى ما عرفّتك هذا» ، فسأل دفع الكتاب إليه ، فلم آمن أن يدفعه إلى أبى جعفر ، فأمرت به فخرق.
وكان يزيد بن حاتم حسن السيرة بإفريقية ، مذ جاء تفد الشعراء عليه لطلب صلته وإحسانه ، فأخد من وفد عليه بإفريقية ربيعة بن ثابت الرقّى ، من أسد ، فمدحه بأشعار كثيرة ، منها قصيدته التى يمدحه فيها ويهجو يزيد بن أسيد السّلمىّ ، التى أولها :
ألا طرقتنا باللّوى أمّ عاصم |
|
وقد زارنا منها خيال مجاشم |
ألّمت بركب عرّسوا بتنوفة |
|
هجوع لدى أعصار خوص سواهم |
وبتنا كأنّ المسك ببين رحالنا |
|
يفوح علينا من عباب اللّطائم |
وأنّى اهتدت تسرى إلينا غزيزة |
|
مخصّبة الأطراف ريّا المعاصم |
فقلت لها إنّى شعرت بفتية |
|
نشاوى من الإدلاج مثل النّعائم |
حلفت يمينا غير ذى مثنويّة |
|
يمين امرء آلى وليس بآثم |
لشتّان ما بين اليزيدين فى النّدى |
|
يزيد سليم والأغّر ابن حاتم |
فهمّ الفتى الأزدىّ اتلاف ماله |
|
وهمّ الفتى القيسىّ جمع الدّراهم |
فلا يحسب التّمتام أنّى هجوته |
|
ولكنّنى فضّلت أهل المكارم |
أبا خالد أنت المنوّه باسمه |
|
إذا نزلت بالنّاس إحدى العظائم |
كفيت امير النّاس كلّ عظيمة |
|
وكنت من الإسلام خير مزاحم |