عمّه ذلك وشغله ، وأخبر بفساد البلد وكثرة اجتماع البربر وصنيعهم بجنده ، رأى أن يوجّه يزيد لعلمه بقيامه وحزمه ونكايته ، ولأن عمر بن حفص عمّه ، فهو لا يألو فى طلب ثأره فوّجه إليهم فى ثلاثين الفا من خراسان وستين ألفا من أهل البصرة والكوفة والشام ، وأقبل حتى صار فى ناحية سرت ، فاجتمع بجميل بن صخر وبمن معه من الجند القادمين عليه من القيروان ، وسار نحو طرابلس ، فسار أبو حاتم إلى جبال نفّوسة ، وجعل يزيد على مقدّمته سالم بن سوادة التميمى ، وأمر شبيبة بن حسان أن يسير نحو قابس ، وتقدم سالم فالتقى هو وأبو حاتم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم سالم وأصحابه ، فرجعوا إلى عسكر يزيد ، وهال أبو حاتم أمر يزيد ، فطلب له عزّ المنازل وأوسعها ، فعسكر فيها وخندق على عسكره ، فأتاه يزيد من ناحية الخندق ، وأصبح يزيد فعبأ عساكره وأصحابه ، وترجّل أبو حاتم فى أهل البصائر من أصحابه ، ثم التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، فأراد يزيد الحملة ، فنزل إليه المهلّب بن المغيرة ، فأخذ بلجام فرسه ، فرفع السّوط ليضربه ، فشد يزيد على يد المهلّب ، فقال : «والله لو قطعتها ما تركتك ، أنا أعلم بقتال القوم منك ، فمر بعض ولدك أن يحمل ، فإنّ للبربر حملة لا تطاق ، ثم احمل أنت بعده ، إذا شئت» فأمر ابنه عبد الله فحمل ، فرد البربر ، ثم قال : «احمل أنت الآن» فحمل ، فقتل أبو حاتم فى أهل البصائر من أصحابه ، وانهزم الباقون وطلبهم يزيد ، فقتلهم ، قتلا زريعا ، وبعث خيله فى طلبهم إلى كل ناحية ، فكانت عدة من قتل منهم ثلاثين ألفا ، ويقال : إنه لم يقتل من الجند إلّا ثلاثة رهط.
وكان ذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين ومائة. وجعل آل المهلّب يقتلون البربر ، ويقومون بالثارات فى عمر بن حفص ، ثم أقام يزيد بمكانه ذلك نحوا من شهر وبثّ خيوله فى طلب الخوارج ، فقتلهم فى كل سهل وجبل. ثم رحل حتى نزل قابس ، وكان قد كتب إلى المخارق بن غفار بالقيام بأمر القيروان فدخلها لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة. ومات أبو جعفر المنصور بعد دخول يزيد بن حاتم القيروان بثلاث سنين وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما.