وبعث يزيد بن حاتم المخارق إلى آخر الزّاب ، فنزل طبنة ، وكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن الفهرى مع أبى حاتم ، فهرب حتى أتى كتامة ، فنزل بجيجل ، فكتب يزيد إلى المخارق بالمسير إليه ، فسار حتى نزل بكتامة ، وضمّ إليه يزيد قوّادا من أهل خراسان وأهل الشام ، فأقام المخارق محاصرا له ثمانية أشهر ، فبعث يزيد العلاء بن يزيد المهلّبى ، فصار حتى دخل القلعة التى بها عبد الرحمن من موضع غير الموضع الذى نزل به المخارق ، ودخل المخارق من ناحيته التى كان بها ، فهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كان معه ، وانصرف العلاء إلى القيروان والمخارق إلى طبنة ، وهرب البربر فى كل ناحية ، وخافوا خوفا شديدا. فلم يزل البلد هادئا فى أيامه إلى أن بلغه انتفاض أمر ورفجومة ، فأرسل إليهم ابن مجزأة المهلبىّ ، فالتقوا ، وعلى البربر رجل يقال له أبو زرجونة الورفجومى. ولمّا التقوا انكشف الجند ولم يناصحوا ، فقتل منهم. وقد كان يزيد عزل المخارق عن الزّاب ، وولىّ مكانه المهلّب بن يزيد ، فكتب المهلّب إلى أبيه يستأذنه فى الخروج إلى ورفجومة ، فأمره أن يثبت حتى يأتيه أمره ، فوجه إليه يزيد العلاء بن سعيد بن مروان المهلّبى ، وكتب إلى المهلّب ابنه ، وهو على طبنة وكتامة وما يليها ، أن يستخلف على عمله من يثق به وينضم إلى العلاء ، وكانت ورفجومة تقول : إنّما كان أمر يزيد بن مجزّاة أملا كاذبا ، ثم التقوا وانهزم البربر وقتلوا قتلا زريعا ، وطلبوا بكلّ سهل وجبل ، حتى أتى على آخرهم ولم يصب من الجند أحد ، وأقبلوا إلى يزيد بالقيروان فولى العلاء على طرابلس وعزل ابنه المهلّب عن الزّاب وكتامة ، واستعمل على الزّاب وكتامة ابنه محمد بن يزيد.
وبنى يزيد المسجد الأعظم بالقيروان وجدّده ، سنة سبع وخمسين ومائة ، وأقام والأمور مستقيمة والبلاد هادئة ، ثم توفّى يزيد فى شهر رمضان سنة سبعين ومائة ، فى سلطان هارون الرشيد ، وكانت وفاته بدار الإمارة التى كانت بالموضع المعروف برحبة التمر ، وقيل توفّى بمنية الخيل ، مما يلى باب سالم ، وكان سمى له البصرة ، فوّلى عليها غيره.