أخبار القضاة فى أيامه
كان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم من جلّة المحدّثين والعلماء المتقدّمين ، منسوبا إلى الزّهد والورع ، متفنّنا فى علم العربيّة والشّعر ، وكان يروى عن أبيه أبى أيوب الأنصارىّ وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، ويروى هو عن سفيان الثّورى وأبى يوسف القاضى وكثير غيرهم. وولى القضاء بإفريقية ، الأولى فى أيام بنى أميّة ، وولّاه مروان بن محمد ، ولمّا قدم على أبى جعفر مستنصرا على البربر ولّاه القضاء ، فبقى إلى أن توفى فى أيام يزيد بن حاتم.
وكان عبد الرحمن قد أسره الروم ، ومضوا به إلى القسطنطينية ، ثم أفتك فيمن أفتك من الأسارى فى ناحية المشرق ، فكان يقول :
أسرت أنا وجماعة معى ، فرفعنا إلى الطاغيّة ، فبينما نحن فى حبسه إذ غشيّه عيد ، فبعث إلينا بأصناف من الطعام ، واتصل ذلك بامرأة الملك ، وكانت تقيّة عنده فمزقت ثيابها ، ونشرت شعرها وخمشت وجهها. وأقبلت إليه تقطرسما ، وقالت : «العرب قتلت أبى وأخى وزوجى ، وأنت تفعل بهم الذى رأيت!» فغضب وقال : «علىّ بهم» فصرنا بين يديه سماطين ، فأمر سيّافه ، فضرب عنق رجل رجل منّا ، حتى قرب الأمر منى ، فحركت شفتىّ وقلت : «الله ربى لا أشرك به شيئا ، فأبصر فعلى» فقال : «قدموا شمّاس العرب ـ يريد عالمها ـ ، فقال لى : «نبينا ـ عليه السلام ـ أمرنا بها» قال : «وعيسى فى الإنجيل» وأطلقنى ومن معى.
ودخل يوما على أبى جعفر ، فقال له : «يا بن أنعم ، ألا تحمد الله الذى أراحك مما كنت فيه بباب مروان بن محمد» قال : «إمّا ما كنت أرى بباب مروان لا أرى اليوم شطره» قال : «فبكى لها أبو جعفر» ، قال : «فما منعك أن ترفع ذلك إلينا وأنت تعلم أن قولك عندنا مقبول» ، قال : «إنى رأيت للسلطان سوقا وإنّما يرفع إلى كل سوق ما ينفق فيها» قال : «فبكى لها أبو جعفر» ثم رفع رأسه وقال : «كأنك كرهت صحبتنا!» ،