هذا؟ قال : نعم ، فأخذ الميزان بيده وأخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين ثم أخذ حجرا من تلك الحجارة مثله فوضعه في الكفة الأخرى ، ثم أخذ كفا (١) من تراب فوضعه مع الحجر الذي جاء به ذو القرنين فاستوى (٢) فخرّ العلماء سجّدا وقالوا : سبحان الله ، إنّ هذا العلم ما نبلغه ، فقال ذو القرنين للخضر : فأخبرنا ما هذا؟ فقال الخضر : أيها الملك إن سلطان الله قاهر لخلقه ، وأمره نافذ فيهم ، وان الله ابتلى خلقه بعضهم ببعض ، فابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، وابتلى العالم بالجاهل ، والجاهل بالعلم ، والله ابتلاني بك وابتلاك بي. فقال له ذو القرنين : حسبك قد أبلغت فأخبرني.
قال : أيها الملك هذا مثل ضربه لك صاحب الصّور ، إن الله سيّب لك البلاد ، وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا ، فلم تشبع وأبت نفسك إلّا شرها حتى بلغت من سلطان الله ما لم يبلغه أحد ، ولم يطلبه إنس ولا جان. فهذا مثل ضربه لك صاحب الصّور ، وأن ابن آدم لن يشبع أبدا دون (٣) أن يحثا عليه التراب ، فبكا ذو القرنين ثم قال : صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل ، لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت. ثم ارتحل ذو القرنين راجعا ، حتى إذا كان في وسط الظلمة لقي (٤) الوادي الذي كان فيه الزبرجد ، فقال الذين معه : أيها الملك ما هذا تحتك وسمعوا خشخشة تحتهم؟ فقال ذو القرنين : خذوا ، فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم ، فأخذ الرجل منه الشيء بعد الشيء ، وترك عامتهم فلم يأخذوا شيئا ، فلما خرجوا إذا هو زبرجد ، فندم الآخذ والتارك ، ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل ، وكان منزله بها فقام بها حتى مات.
قال أبو جعفر : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يرحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئا حتى يخرجه إلى الناس ، لأنه كان راغبا في الدنيا ، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا ، لا حاجة له فيها» [٤١٤٠].
__________________
(١) في البداية والنهاية : حفنة من تراب.
(٢) البداية والنهاية : فرجح به.
(٣) في البداية والنهاية : حتى يوارى بالتراب.
(٤) غير مقروءة بالأصل وتقرأ في م : «لظى» والمثبت عن مختصر ابن منظور ٨ / ٢٢٤.