لبنا وهي تومئ إلى العابد أن احتلب ، قال : فاحتلب حتى ملأ قعبته وانصرفت الوعلة فلما أصبح قال له الفتى : هل في الوادي من هو أعبد منك؟ قال : امض أمامك قال : فمضى حتى انتهى إلى شيخ في أعلى الجبل ، قائم يعبد الله عزوجل منذ مائة وثمانين سنة اعتزل الناس ، طعامه عشب الأرض ، وله عين تجري ، إذا أمسى جرت تلك العين بما تكفيه لشرابه ووضوئه ، وتعشب الأرض حول عينه وهو على صخرة كقدر ما يغنيه ، فلما أمسى جعل في نفسه ، أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه ، فلما أمسى فجر الله عينين ، وأعشب الأرض حولهما ، فقال للفتى : هذا طعامي وهذا شرابي ، وهذا رزق ساقه الله إليك على قدر رزقي ، ولا يكلف الله نفسا إلّا طاقتها ، وليس عندنا إلّا ما ترى ، قد رضينا من الدنيا بهذا وهذا من الله عزوجل ، إن رزقنا القناعة والرضا ، فقال الفتى : قد رضيت بهذا ولا أريد بهذا بدلا ، فأقام معه يتعبد حتى أدركه الموت فقال للشيخ : قد صحبتك فأحسنت صحبتي ، ورزقني الله بصحبتك الخير والفضل ، ولي عندك حاجة ، قال : وما هي؟ قال : أن تحفر لي وتدفنّي ، ثم أخرج الكتاب فدفعه إليه وقال : ضع هذا الكتاب بين كفني وصدري ، فقال له الشيخ : فكيف لي بأن (١) أحفر لك؟ قال : قل أنت نعم إن شاء الله ، فإن الله سيهيئ ذلك لك ، فقال الشيخ : نعم ، فمات الفتى فقام الشيخ ليحفر له لما وعده فلم يصل. إنما هو يحفر بيده حتى تقطعت أنامله إذ بعث الله أسدا ، له مخاليب من حديد ، فحفر له قبرا ، فلما أن رأى العابد ذلك اشتد سروره بذلك ، فدفن الفتى وأهال عليه. ووضع الكتاب بين صدره وكفنه ، فبعث الله إليه ملكا فأخذ الكتاب وكتب : إنّ الله عزوجل قد وفى له بشرطك وتمّت كفالتك ونفذ كتابك. فجاء بالكتاب حتى دفعه إلى عايوذا ، وهو الذي كان كتب له الكفالة ، وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عزوجل فسمي ذا الكفل ، فالله أعلم أيّ ذلك كان مما قالوا.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أبي مسلم ، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ، نا إسحاق بن إبراهيم بن سنين الختّلي ، حدّثني اليمان بن عيسى أبو سهل الحذاء ، أنا أسباط بن محمّد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل وكان لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فسألته فأبى أن يعطيها إلّا أن تمكّنه من نفسها ، فلما جلس معها
__________________
(١) بالأصل : «باب» والصواب عن م وانظر مختصر ابن منظور.