وثلاثة من أعلام الفهم : تلقف معاني الأقوال ، وإيجاز الجواب في المقال ، ولقائه الخصم مئونة التكرار.
وثلاثة من أعلام الأدب : الصمت حتى يفرغ المتكلم من كلامه ، وردّ الجواب إذا اقتضى منه الجواب ، وإعطاء الجليس حظه من المؤانسة والمكاشرة في وجهه حتى يقوم.
قال : وسمعت رجلا يسأل ذا النون فقال : يا أبا الفيض ما التوكل؟ قال له : خلع الأرباب وقطع الأنساب ، فقال له : زدني فيه حالة أخرى ، قال : إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية (١).
قال : وسمعت ذا النون يقول : صفة الحكيم ألّا يطلب بحكمته المنزلة والشرف ، فإذا أحب الحكيم الرئاسة زال حب الله من قلبه ، غلب عليه من حب ثناء المستمعين له فصار لا بلفظ لمسموع ينفع للذي غلب على قلبه من حب تبجيل الناس له.
قال : وسمعت ذا النون يقول : لا تنفق بمودة من لا يحبك إلّا معصوما.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي ، أنبأ أبي أبو العباس الفقيه المالكي ، أنبأ القاضي أبو محمّد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي ، نا أبو الفتح يوسف بن مسرور القواس ، نا أبو الفضل الخراساني الصّيرفي ، كان ينزل قطيعة الربيع إملاء سمعته من لفظه من أصله ، نا سعيد ـ يعني ابن عثمان الخيّاط ـ ، قال : وسمعت ذا النون وقيل : ما فساد النية؟ قال : إذا انفسدت النية وقعت البلية.
قال : وسمعت ذا النون يقول : تجوع وتخلّا وتفرد واصحر تر العجب. من أحب الله عاش ، ومن مال إلى غيره طاش ، والأحمق يغدو ويروح في لاش.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، أنا أبو القاسم الحنّاني ، أنا أبو الحسن علي بن عبد القادر بن بزيع الطّرسوسي ، قال : وحدّثني أبو الحسين بن محمّد السّروي ، نا أبو عمرو عثمان بن محمّد بن عثمان العثماني ، نا محمّد بن أحمد بن عيسى الرازي ، قال : سمعت يوسف بن الحسن يقول : سمعت ذا النون المصري يقول : حرمة الجليس أن تسرّه ، فإن لم تسرّه فلا تسؤه أما اكتسب محبة الناس في هذا الزمان [إلّا] رجل
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ٣٨٠.