تمسك عنّا أخاك عبادة بن الصّامت ، أما بالغدوات فيغدو إلى السوق ، فيفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشيّ فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلّا شتم أعراضنا وعيبنا ، فأمسك عنا أخاك ، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال : يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما حمل ، فإن الله يقول : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ)(١) قال يا أبو هريرة : لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله (٢) لومة لائم ، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب ، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ، ولنا الجنة ، ومن وفى وفى الله له الجنة مما بايع عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، فلم يكلمه أبو هريرة بشيء ، فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة : إن عبادة بن الصّامت قد أفسد عليّ الشام وأهله ، فإما أن يكفّ عبادة ، وإمّا أن أخلّي بينه وبين الشام ، فكتب عثمان إلى فلان أن أرحله إلى داره من المدينة ، فبعث به فلان حتى قدم المدينة ، فدخل على عثمان الدار ، وليس فيها إلّا رجل من السّابقين بعينه ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين ، فلم يفج عثمان به إلّا وهو قاعد في جانب الدار ، فالتفت إليه ، فقال : ما لنا ولك يا عبادة ، فقام عبادة قائما ، وانتصب لهم في الدار ، فقال : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا القاسم يقول : «سيلي أموركم بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تعتلوا (٣) بربكم» ، فو الذي نفس عبادة بيده إنّ فلانا لمن أولئك ، فما راجعه عثمان بحرف.
قال : وأنا الهيثم بن كليب ، نا الحسن بن علي بن عفّان العامري ، نا أسباط بن محمّد القرشي عن رجل من أهل البصرة ، عن الحسن قال :
كان عبادة بن الصّامت بالشام فرأى آنية من فضة ، تباع (٤) الإناء بمثلي ما فيه أو نحو ذلك ، فمشى إليهم عبادة فقال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبادة بن الصّامت ألا وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مجلس من مجالس الأنصار ليلة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٤١.
(٢) قوله : «في الله» استدرك عن هامش الأصل وبجانبه كلمة صح.
(٣) كذا بالأصل وم ، وهي عبارة مسند أحمد ، وفي المطبوعة : تضلوا.
(٤) كذا بالأصل وم.