الحسين البغدادي ، أنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن عبد الله الأردستاني ـ بمكة ـ أنا الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب (١) ، أنا أبو جعفر محمّد بن صالح الأوبري ، نا علي بن بدر الرملي بالرافقة (٢) ، نا محمّد بن المبارك الصوري ، قال :
صعدت جبل لبنان فإذا برجل عليه جبة من صوف مكتوب عليها : لا تباع ولا توهب ، قد ائتزر بمئزر الخشوع ، وارتدى برداء الورع ، وتعمّم بعمامة التوكّل ، فلما رآني استخفى وراء شجرة بلوط ، فناشدته الله أن يظهر ، فظهر ، فقلت : كيف تصبر على الوحدة في هذه القفار؟ فضحك وأنشأ يقول (٣) :
يا حبيب القلوب من لي سواك |
|
ارحم اليوم مذنبا قد أتاك |
أنت سؤلي ومنيتي وسروري |
|
قد أبى القلب أن يحبّ سواك |
يا مرادي وسيدي واعتمادي (٤) |
|
طال شوقي متى يكون لقاك |
ليس سؤلي من الجنان نعيم |
|
غير أني أريدها لأراك |
ثم غاب عني فطلبته وعدت إلى الموضع مرارا ، فلم أصادفه ، ثم أتيت غلام أبي سليمان الدّاراني فوصفته ، فقال : وا شوقاه إلى نظرة مرة أخرى قبل الموت ، وبكى ، فسألت عنه فقال : ذاك عباس المجنون ، له أكلتان في كل شهر من ثمر (٥) الشجر ونبات الأرض.
رواها أبو نعيم الحافظ (٦) ، عن أبيه ، عن أحمد بن جعفر بن هانئ ، عن محمّد بن يوسف البنّا ، عن إبراهيم الهروي ، عن ابن المبارك بمعناها ، وزاد في آخرها : يتعبّد منذ ستين سنة.
__________________
(١) الخبر في عقلاء المجانين لابن حبيب ص ٢٥٨ رقم ٤٥٩.
(٢) الرافقة ، وهي الرقة اليوم ، بلدة على الفرات.
(٣) الأبيات في عقلاء المجانين ص ٢٥٨.
(٤) في م : واعتقادي.
(٥) في م : تمر.
(٦) انظر الخبر والأبيات في حلية الأولياء ١٠ / ١٤٥.