نفر من الرجال والأطفال يكررون كلمة التوحيد وفي أيديهم سبحة كبيرة ينتظم في سلكها خمسمائة حبة كل حبة منها في حجم الجوزة. فإذا دارت دورا سكتوا وتلا إمام المسجد شيئا من القرآن. ثم تدور دورا آخر في ختامه ينتهي الذكر ويفرق على الحاضرين الحلوى المعروفة بالغريبة. في صباح اليوم الثالث من الوفاة يجتمع الجم الغفير على القبر وتمد البسط على أطرافه وتوضع عليه قمام ماء الورد وتنثر فوقه الزهور ويفرق على الحاضرين أجزاء الربعات وبعد الانتهاء من قراءتها يصطف الناس حلقة ويذكرون الله تعالى ويفرق على الفقراء شيء من النقود ويعزي الناس أهل الميت وهم في المقبرة. وهذا اليوم يسمى الثالث وفيه وفي كل من اليوم السابع واليوم الأربعين واليوم المتمم للسنة من الوفاة يدعى جماعة من القراء إلى بيت الميت يتلون القرآن العظيم في نهارهم ، وفي المساء تبسط الموائد ويفتح باب الدار للفقراء فيأكلون ويزودون.
ومما اعتاده الحلبيون في أول يوم من المحرم أن يكون فطورهم من طعام حلو ، وأن يخرج جماعة من العجزة يتصدق عليهم الناس بشيء من البرغل يقال لهم «فاز من صلى» سموا بلازمة زجل ينشدونه على الأبواب وهو «فاز من صلى على تاج العلى طه النبي المصطفى جد الحسين» وبعض الناس يسمونهم الحسينية. وهذه العادة موروثة عن الطوائف العلوية التي كانت تقطن حلب. وفي يوم عاشوراء يوسع الناس على عيالهم بالمطاعم ويطبخون طعام الحبوب الذي يشير إليه ابن منير الطرابلسي الشاعر بقوله :
«وسهرت في طبخ الحبو |
|
ب من العشاء إلى السحر» |
وفي يوم عاشوراء كانت الحكومة قبل خراب مشهد الحسين تولم فيه وليمة حافلة يحضرها الوالي ومن دونه وينشد أحد المطربين قصيدة ابن معتوق في رثاء الحسين التي مطلعها «هلّ المحرم فاستهل مكبرا». وتعطل الحكومة أيضا في آخر أربعاء من صفر وفي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وتحتفل بتلاوة قصة المولد النبوي في الجامع الكبير ، ويستمر الناس على تلاوة هذه القصة ليلا ونهارا إلى آخر هذا الشهر ، ويولمون من أجلها الولائم العظيمة. وتعطل أيضا في اليوم السابع والعشرين من رجب وتحتفل بقراءة قصة المعراج