وزنا لعظمة سواه ، فانحنى انحناءة خفيفة عند الباب ، ثم أقبل نحو السلطان منتصب القامة ، ولم يكرر الانحناء أمامه ، فخفق قلب إسماعيل باشا لما فعل ، ولا سيما حين رآه يجاوز الحاجز ويصل إلى السلطان ، ثم يقول له : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله. فيبتسم السلطان له ويرد عليه تحيته ، وينحني له انحناء خفيفا ، فيكلمه الشيخ العدوي فيما يجب على السلطان لرعيته ، ويبين له عظم المسئولية الملقاة على عاتقه ، وأن ثوابه عند الله سيكون بقدر تلك المسؤولية وحسن قيامه بها ، وأن عقابه عنده سيكون بقدر تقصيره فيها. فلما رأى ذلك إسماعيل باشا إصفر لونه ، وأخذ يتوقع غضب السلطان عليه لهذه المقابلة ، ولكن وجد السلطان لم يبد عليه أي أثر للغضب ، بل وجده مرتاحا للكلام الذي سمعه. وقد خرج الشيخ العدوي بعد أن انتهى من موعظته ، ولم يخرج بظهره كما خرج غيره ، بل ولى وجهه نحو الباب وخرج ، فوجد العلماء الثلاثة ينتظرونه أمام الباب فأخبرهم بما فعل مع السلطان ، فأخذوا يلومونه على ما فعل ، ويخوفونه عاقبة هذا الأمر : فقال لهم : أما أنا فقد قابلت أمير المؤمنين ، وأما أنتم فكأنكم قابلتم صنما ، وكأنكم عبدتم وثنا ، ولما انصرف الشيخ العدوي سأل السلطان عبد العزيز إسماعيل باشا عنه ، فقال له : هذا شيخ من أفاضل العلماء ، ولكنه مجذوب ، وأستميح جلالتكم عفوا عن سقطته ، فقال له السلطان : كلا ، بل إني لم أنشرح لمقابلة أحد انشراحي لمقابلته. ثم أمر له بخلعة سنية ، وألف جنيه.
شعلة لا تنطفىء
لما استولى صلاح الدين على مصر ، وأبطل منها مذهب الشيعة الفاطمية أبطل الخطبة في الجامع الأزهر ، وأقرها بالجامع الحاكمي لسعته وبقي الأزهر معطلا من إقامة الجمعة فيه زمن الدولة الأيوبية ، وبعضا من عصر المماليك البحرية ـ أي نحو مائة سنة ـ وأهمل أمره مدة تعطيل الجمعة