فيه ، وأنشئت مدارس أخرى لتدريس فقه الشافعية والتفسير والحديث وغيرها.
ولما ولي ملك مصر الظاهر بيبرس البندقداري كان من أمراء دولته الأمير عز الدين أيدمر الحلي ، وكانت داره بالقرب من الأزهر ، فرعى فيه حرمة الجوار ، واستعان بماله وجاهه عند السلطان في عمارته ، فجمع بعض ما بددته أيدي الفاطميين من أوقافه ، وأمده السلطان بالمساعدة ، فعمر الواهي من أركانه ، ورفع سقوفه ، وبلطه ، وفرشه ، وأثر فيه آثارا حسنة ، حتى عاد حرما آمنا في وسط المدينة. وأنشأ بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء ، ومحدثا يتلو الحديث النبوي ويلقي المواعظ ومقرئين للقرآن ، ووقف على ذلك الغلات الدارة.
ولما كانت الدراسة معطلة في الأزهر من بدء الدولة الأيوبية فقد أريد إعادة الخطبة فيه ، فامتنع قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز من إقامة خطبتين للجمعة ، فيه وفي الجامع الحاكمي ، وفقا لمذهبه ، وهو مذهب الإمام الشافعي. فولي السلطان قاضيا حنفيا فأذن في إعادتها ، وأخذ بذلك خطوط العلماء. وأعيدت إقامة الجمعة فيه باحتفال عظيم حضره أكابر الدولة ، وعاد مسجدا جامعا ، ومدرسة عظيمة. وكان هذا الإذن أساسا اعتمد عليه سلاطين المماليك وكبراؤهم في صحة بناء مساجد جامعة كثيرة في القاهرة وغيرها. وعظمت عناية المماليك بالأزهر فجددوه مرارا ، ورفعوا حواليه المنارات السامية ، وأضافوا إليه بضع عشرة مدرسة ، حبست عليها الحبوس الجليلة ، وفتحوا أبوابه للعلم ، وأجروا على قاصديه الجرايات من الطعام والحلوى ، فقصده الطلاب والعباد من أقاصي البلاد. وبلغ عدد طالبي العلم به سنة ٨١٨ ه نحو سبعمائة وخمسين طالبا من مصريين ومغاربة وأعاجم ، وهم عدد عظيم بالإضافة إلى ما كان ينافسه في الشهرة وينازعه هذه المكرمة ، نحو مائة مدرسة وجامع أنشأها سلاطين المماليك