والموت يغلب النوم». ومثل قولهم : «العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا. والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما» الخ .. وبعد فما تاريخ هذه الأغنية ومن واضعها؟ لا بد أن يكون فيلسوفا أو حكيما بعيد النظر. ومما يؤسف له أن هذه الأغاني والأزجال والمواويل لم يعن بها عناية الأدب الأرستقراطي. فبينا يعني العلماء والأدباء بنسبة بيت الشعر إلى قائله. والقصيدة إلى منشئها. ويحتدم بينهم القتال على ذلك. إذ بنا لا نجد هذه العناية ولا بعضها في الأغاني والأزجال الشعبية. وهذا نوع مما أصاب الأدب الشعبي من الظلم. وكم أصابه من أنواع! وها هي ذي الأغاني التي تخترع في عصرنا نجدها على الأفواه ونستعذبها ، وتهش لها نفوسنا. ولا نكلف أنفسنا مؤنة البحث عن منشئها ولكن من حسن حظ هذه الأغنية أو من حسن حظنا نحن ، أننا نجد ظلا لتاريخها فقد ذكرها الجبرتي في تاريخه في حوادث سنة ١١٤٣ هجرية. فيكون عمرها أكثر من قرنين وربع وظلت الأجيال تتعاقبها إلى يومنا. ويظهر من كلام الجبرتي أن واضعها عالم كبير جليل من أكابر علماء الأزهر في القرن الثاني عشر. هو الشيخ الحفناوي أو الحفني ، كان سيد الأزهر في أيامه ، له حلقات الدروس الحافلة بنوابغ الطلبة ، يقرأ فيها أغوص الكتب وأصعبها ، كجمع الجوامع والأشموني وحاشية السعد ، وله التآليف الكثيرة في البلاغة والميراث والجبر والمقابلة. كما كان بيته ساحة كرم يغشاه أعيان مصر وعلماؤها وأدباؤها ، ويلجأ إليه الفقراء وذوو الحاجات وكان راتب بيته من الخبز كل يوم نحو الأردب ، وطاحون بيته دائر ليل نهار ، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون ، إلى هيبة ووقار ، حتى يهاب العلماء سؤاله لجلاله.
وهو مع هذا كله ظريف أديب ، سمع تلميذا له يوما يقول :
قالوا تحب المدمس؟ قلت بالزيت حار |
|
والعيش الأبيض تحبه؟ قلت والكشكار |