٥ ـ تغلبت روح التعصب المذهبي الشديد ، حتى وصل الأمر في ذلك بين أتباع الأئمة إلى المناقشة في صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب ، وأخذت هذه المسألة في كل مذهب مجالا واسعا في البحث والتفريع ، ووصل الأمر أيضا إلى البحث عن حكم التزوج من الشافعية ، فترى الكمال بن الهمام وهو في الكلام على حكم التزوج بالوثنيات ينقل عن أحد علماء الحنفية : أنه لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال ، ثم يقول بعد هذا النقل : «ومقتضاه منع مناكحة الشافعية» ، واختلف فيها هكذا : قيل يجوز ، وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته». وترى أثر هذه النزعة في حكم الحاكم بحل متروك التسمية عمدا ، وفي حكم العقد الذي يشترط فيه بعض المذاهب ما لا يشترط البعض الآخر .. وهكذا وصل التعصب المذهبي إلى مثل هذا الحد ، وصارت المذاهب بين المسلمين ـ وبين أبناء الأزهر ـ أديانا يتقاتل أهلها ، ويضلل بعضهم بعضا ، وهي لا تخرج عن أنها آراء وأفهام حذر أئمتها الأولون من تقليدها والعمل بها دون الاطمئنان إليها بمعرفة الحجة والبرهان.
٦ ـ تغلبت الفكرة القائلة بتحريم تقليد غير المذاهب الأربعة ، فحجروا واسعا ، ومنعوا رحمة اختص الله بها هذه الأمة ، ولقد ظهرت هذه الفكرة على وجه أوضح منذ عهد قريب ، يوم وضع الأستاذ الشيخ المراغي ، مشروع الزواج والطلاق ، فقام ثلاثة من علماء الأزهر بعمل مذكرة تناهض هذا المشروع ، وتبني مناهضتها على أنه لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة فكتب المراغي مذكرة قيمة ، لها خطرها في التوجيه الفقهي والتشريعي ، بين فيها كثيرا من مسائل الاجتهاد والتقليد ، كما بين آراء العلماء في تأثر الفقه بالعرف والعادة ، ويجدر بنا في هذا المقام أن نعلم أن العلماء الذين تناولوا هذه المسألة قديما واستساغوا أن يحكموا بمنع تقليد غير الأربعة لم ينظروا إلى خصوصية في ذات المذاهب الاربعة ، وإنما جعلوا مناط التقليد على وجه العموم الثقة بالمذهب الذي يقلد ، واطمئنان النفس إلى صحة النقل