عنه ، فمن ثبت عنده رأي من آراء الأئمة أو الصحابة جاز له تقليده والعمل بمقتضاه ، لا فرق بين إمام وإمام ، ولا بين الأربعة وغيرهم ، ولهذا يقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام «لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة ، بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده ، وفاقا ، وإلا فلا» ، ويقول أيضا «إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام لم تجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله» ، ومن هنا يقول القرافي : «انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر ، وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ، ويعمل بقولهما من غير نكير ، فمن ادعى دفع هذين الإجماعين فعليه الدليل» أه ، هذا هو أصل الفكرة فانظروا كيف حرفت وجعل التقليد خاصا بالمذاهب الأربعة ، بل جعل واجبا يذكر تبيين ما يجب على المكلف أن يدين به ويعتقده ، فيقول بعض المؤلفين في منظومته : «وواجب تقليد حبر منهم».
ورث الأزهر أيضا فكرة أن من قلد إماما من الأئمة الأربعة فليس له أن يحيد عنه ، بل يجب عليه أن يلتزمه بدون حجة ولا بحث وراء دليل ، ولا يصح أن يقلد غيره ولو في غير ما قلده فيه ، ومذكرة الثلاثة التي أشرنا إليها قد تأثرت بهذه الفكرة أيضا ؛ فأوجبت على القاضي أن يحكم بمذهبه ، وحظرت عليه أن يحكم بغيره ، وذلك على الرغم من أن علماء الأصول يقولون في هذه المسألة «والأصح أنه لا يلزم ، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده في دينه وفي كل ما يأتي ويذر دون غيره».
ورث الأزهر أيضا القول بحرمة تتبع رخص المذاهب حتى جعلوا عدم تتبع ذلك شرطا في صحة تقليد غير الإمام ، وصاحب التحرير يقول أيضا في هذه المسألة : «ولا يمنع منه مانع شرعي» إذ للإنسان أن يسلك الأخف