عليه إذا كان له إليه سبيل ، ولا أدري ما يمنع هذا من العقل والسمع ، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ، ما علمت من الشرع ذمه عليه ، وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما يخف على أمته».
وورث الأزهر فكرة كان لها أثر خطير في انحرافه عن سبيل التفكير الصحيح وتقدير الآراء بقيمتها العلمية : هي خطة المعاداة لطائفة من العلماء نضجت عقولهم وأدركوا أسرار الشريعة ، وخالفوا الناس في كثير مما درجوا عليه ، وتحرروا من الإغلال التي قيد المقلدون بها أنفسهم ، حكم الأزهر عليهم بأحكام جائرة ، وشكك في تدينهم وإخلاصهم وآرائهم ، وشوهوا في الكتب وعلى ألسنة الدعاة بغير حق ، وجعل ذلك سبيلا إلى رفض العمل بآرائهم ، وعدم الاعتداد بأفكارهم فصرفت الأنظار عنهم ، وصرنا نسمع من أسباب رفض الرأي : هذا رأي ابن تيمية ، وابن تيمية ضال مضل ، وهذا قول ابن القيم تلميذه ، كما يقال : هذا رأي الزمخشري وهو معتزلي ، أو ابن رشد وهو فيلسوف ... وهكذا ، كأن هؤلاء ليسوا من أهل العلم ، ولا من رجال البحث أو كأن الحق وقف على طائفة من الناس لا يعدوها .. وأخيرا ورث الأزهر في ذلك العهد : القول بتحريم الاشتغال بالعلوم العقلية والرياضية وأخذ يحارب المشتغلين بها جيلا من الزمن ، ولعل من الطريق في ذلك أن نشير إلى الاستفتاء الذي تقدم به بعض الناس إلى الشيخ الانبابي شيخ الجامع الأزهر ، وإلى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد البنا سنة ١٣٠٥ ه يسألون فيه : هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية ، مثل الهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات وغيرها من سائر المعارف؟ وهل يجوز قراءتها كما تقرأ العلوم الآلية من نحو وغيره في الجامع الأزهر؟
هذه هي التركة المثقلة التي خلقتها العصور المظلمة ، واحتملها الأزهر في طور مرضه الشديد كعقائد دينية ، وواجبات يرى أن يتمسك بها