وأن يذود عنها ، وأن يرمي خارج محيطه بمن يفكر في التحلل منها ، ولقد كانت النتيجة الحتمية لهذا الميراث الثقيل أن وقفت حركة التفكير العلمي في الأزهر ، وحرم نفسه لذة البحث والنقد ، وانحصرت مظاهر التبريز والنبوغ فيه في القدرة على حل المشاكل اللفظية في المتون والشروح والحواشي ـ التي تعود على العلم بكبير فائدة ، وبهذا انقطعت علاقة الأزهر بالأمة في تفكيره وعلومه وتشريعه ، وأصبحت النظرات المتبادلة بينهما كالنظرات المتبادلة بين طائفتين ضاقت كل منهما ذرعا بصاحبتها ، وأخذت تتربص بها الأحداث والدوائر.
ظل الأزهر كذلك حتى هيأ الله له ـ على سنة الله سبحانه : من عدم إخلاء الأمم ممن يعرف الحق ويدعو إليه ـ واحدا من أبنائه لا ينسى التاريخ فضله ، هو الاستاذ الإمام المصلح له الشيخ محمد عبده رحمه الله ورضي عنه. صاح بالأزهر صيحة أيقظته من نومه ، ونبهته بعض الشيء إلى واجبه ، وكانت مبادئه وأفكاره بمثابة شعاع انبثق في أفق الأزهر ، انتفع به من انتفع ، وأزور عنه من أزور ، ولكنه مع ما قوبل به من محاولات متعددة لإطفائه ، ظل قويا وهاجا يجذب إليه أنظار المؤمنين ، وينفذ إلى بصائر المخلصين ، ويعلو ويتسع أنفه شيئا بعد شيء. ومنذ ذلك الحين اتجهت الأنظار إلى وضع نظم من شأنها أن تمكن الأزهر من الانتفاع بهذا النور ، والسير على هداه حتى يقوم برسالته ، ويصل إلى غرضه المنشود ، فوضعت نظم متلاحقة متشابهة ضمت إلى العلوم الشرعية والعربية كثيرا من العلوم العقلية والرياضية فاتسع لها صدر الأزهر ، وهضمتها عقليته الجديدة. والأزهر الآن في كلياته ومعاهدة والقضاء الشرعي والإفتاء ، والوعظ والإرشاد في المساجد وغيرها ، كل أولئك ينتفعون بطائفة كبيرة من العلماء الذين تخرجوا في ظلال هذه النظم ، لهم أثر واضح في حياة الأمة من جميع نواحيها ، واستمر الأزهر كذلك إلى أن تولى مشيخة الأزهر للمرة الأولى الشيخ محمد مصطفى المراغي ، وهو من أبناء الأزهر الذين عرفوا تاريخه