في سجل تخليدا لهذا الحدث الجديد ، ثم توالت حلقات بني النعمان ، وقد أسهمت هذه الأسرة في نشر المذهب الشيعي ، وخدمت الفاطميين في بث دعوتهم ، ونشر مذهبهم في المغرب ومصر (١) ، وكانت في الواقع دروسا مذهبية خالصة أعدت للدعاية السياسية والمذهبية.
ابن كلس
وفي رمضان سنة ٣٦٩ ه جلس (يعقوب بن كلس (٢)) وزير الخليفة العزيز بالله في الجامع الأزهر ، وقرأ على الناس كتابا ألفه في الفقه الشيعي على مذهب الإسماعيلية ، وتوالى جلوسه بعد ذلك لقراءته في الأزهر ، وكان يحضر دروسه الفقهاء والقضاة ، وكبار رجال الدولة ، كما كانت له مجالس علم في داره ، يجتمع فيها الفقهاء وغيرهم من أهل العلم والمعرفة في سائر العلوم والفنون.
ولم تقف جهود ابن كلس عند هذا الحد ، فأراد أن يجعل (الجامع الأزهر) معهدا للدراسة المنظمة المنتظمة ، فطلب من الخليفة العزيز بالله تعيين جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة في أوقات منتظمة مستمرة وذلك سنة ٣٧٨ ه ، على أن تعقد حلقاتهم في الأزهر ، وأن يجري عليهم الأرزاق ، فاستحسن الخليفة الفكرة ، وأجابه إلى ما طلب ، وكانوا
__________________
(١) عميد هذه الأسرة هو. النعمان بن محمد الفقيه الشيعي المعروف (بأبي حنيفة النعمان) قدم القاهرة مع المعز وتوفى بها سنة ٣٦٣ ه ، وقد ولى القضاء بعده أبناؤه وأحفاده وأبناء اخوته. (انظر كتاب. التعليم في مصر في العصر الفاطمي الأول للأستاذ خطاب عطية علي ، طبعة ١٩٤٧ م ، هامش ٢ ص ١٠٥).
(٢) ابن كلس ، هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس ، كان يهوديّا من أهل بغداد ، اتصل بخدمة كافور الأخشيدي بمصر فأظهر خبرة وبراعة ، ثم أسلم بعد ذلك فارتفعت مكانته في بلاط كافور ، ونال حظوته ، ثم أنه رحل إلى المغرب فرارا من وجه الوزير. أبي الفضل جعفر بن الفرات الذي استبد بالأمر في مصر بعد موت كافور ، واتصل بالمعز فقر به وأكرمه ، ثم وزر لابنه العزيز بالله ، وكان يحظى عنده بمكانة ممتازة ، فلما اعترته علة الموت عاده الخليفة العزيز بالله ، ولما توفى سنة ٣٨٠ ه صلى عليه ، وظهر الحزن في وجهه لفقده ، وأمر بغلق الدواوين أياما بعده.