رواده ، وتفوقت عليه ، وأثرت في سير الدراسة به ، بسبب ما وجد بها من دراسات مختلفة للغة ، والمنطق ، والفلسفة ، والطب والرياضيات في حرية وانطلاق ، ولتشجيع الخليفة الحاكم لطلابها ، غير أن ازدهار (دار العلم) كان قصيرا ، لما انتابها من اضطرابات أخلت بالتعليم فيها ، وبقي الأزهر ملاذا للعلوم الدينية ، والعربية ، ولم يقلل قيام (دار العلم) من شأنه كمعهد للقراءة ، والدرس.
وبقيت الصفة (التعليمية) مميزة للجامع الأزهر طوال العصر الفاطمي ، فزاد عدد طلابه وأساتذته ، وكثرت أروقته ، وحلقات التعليم به ، ونمت الدراسة فيه وازدهرت ، حتى بدأ يجتذب إليه الطلاب والعلماء من خارج مصر ، واستطاع أن يكون (جامعة علمية) جليلة القدر ، وأن يسدي إلى الدين واللغة أجل الخدمات على مر السنين ، حتى غدا كعبة لقصاده من سائر الأقطار الإسلامية ، كما قال المقريزي في خططه. «ولم يزل في هذا الجامع ـ الأزهر ـ منذ بني عدة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه ، وبلغت عدتهم في هذه الأيام ـ سنة ٨١٨ ه ـ سبعمائة وخمسين رجلا ما بين عجم ، وزيالعة ـ نسبة إلى زيلع ـ ومن أهل ريف مصر ، ومغاربة ولكل طائفة رواق يعرف بهم ، فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ، ودراسته ، وتلقينه ، والاشتغال بأنواع العلوم ، والفقه ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، ومجالس الوعظ ، وحلق الذكر ، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله ، والارتياح ، وترويح النفس ما لا يجده في غيره ، وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة
__________________
مكتبة نقل إليها من قصور الخلافة الكثير من الكتب في سائر العلوم والفنون ، وكانت تعرف المكتبة ، بدار الحكمة ، فدار العلم كانت. مدرسة ، ومكتبة ، وكذا عرفت. «بدار العلم حينا ، وبدار الحكمة حينا آخر» ، لأنها جمعت بين ما كانت تقوم به خزائن الحكمة كدور للكتب ، وما كانت تقوم به دور العلم من تعليم ، وظلت تؤدي رسالتها حتى زالت الدولة الفاطمية سنة ٥٦٧ ه ، على يد صلاح الدين الأيوبي فجعلها مدرسة سنية لدراسة المذهب الشافعي طبقا لسياسته في محاربة التشيع.