٣٦٤ ه : «كان شديدا على بني عبيد حين ملكوا مصر والشام ذامّا لهم ، منفرا العامة منهم ، قاليا لهم ، ونقل عن الرقيق أن أبا بكر «كان يفتي في المحافل باستحلال دم من أتى من المغرب ، ويستنفر الناس لقتالهم». يريد بني عبيد ، ثم قال عياض : «وإنما سلك في هذا مسلك شيوخ القيروان في خروجهم عليهم ... ولم يستقر للفاطميين بسبب ذلك قرار ، ففرضت ثورة تونس على خليفتهم المعز بن باديس الصنهاجي أن ينقض طاعتهم حتى فعل (١) وتتابعت مظاهر التمرد عليهم ، والاستخفاف بهم في مصر من ولاية العزيز بن المعز الفاطمي (٢) ثم ولاية الحاكم واغتياله (٣) بعد أن أعلن الرضوخ لقوة الأمة في الدفاع عن عقيدتها ، وصلابتها في التمسك بسنتها فكتب سجله بما فيه ، وأتى اليوم بما يقتضيه ، يطوي ما كان فيما مضى ، فلا ينشر ، ويعرض عما انقضى ، فلا يذكر ، ولا يقبل على ما مر وأدبر ، من إجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية : أيام آبائنا (٤) ...» ثم كانت ولاية الظاهر الذي بدأت الدولة تتضعضع في مدته ، إلى أن انتهى حكمهم الحقيقي في ولاية المستنصر واستبداد بدر الجمالي بأمرهم ، وتلاشى سيادتهم في ظلمة العدوان الصليبي (٥).
والروح التي كانت تعمر الزيتونة بتونس وجامع الفسطاط في مصر ، هي الروح التي ملأت الأزهر وإن كانت السلطة التي أمرت ببنائه نابية عن تلك الروح ؛ لنستنتج من ذلك كله : إن الإخاء قد كان تاما وثيقا بين جامع الزيتونة والجامع الأزهر من يوم أنشىء الأزهر ، إخاء كان في الباطن والروح ، وإن لم يبد في الظاهر والشكل ، فيبقى الأزهر وفيا لروح العابدين العاكفين فيه ، مزورّا عن روح الحاكمين المباهين به.
__________________
(١) المؤنس لابن أبي دينار ص ٦٥ ط تونس الأولى.
(٢) خطط المقريزي ص ١٦٧ ج ٢ وما بعدها ط المليجي بالقاهرة.
(٣) المقريزي ج ٤ من ص ٦٨ حتى ص ٧٤ المليجي القاهرة.
(٤) ابن خلدون ص ٦٠ ج ٤ بولاق.
(٥) المقريزي ج ٤ ص ٤٩ ، ص ١٩٣ ط المليجي.