وكذلك أقام بنو عبيد بالقاهرة ما أقاموا ، وزال ملكهم عنها بعد استقراره فيها مائتي سنة وخمس سنين من دخول المعز إليها سنة ٣٦٢ ه إلى وفاة العاضد سنة ٥٦٧ ه فبقيت القاهرة بعدهم ، وبقي جامعها الأزهري كما قال أبو العلاء :
تفنى الملوك ومصر بعد فقدهم |
|
مصر على العهد والإحساء إحساء |
وقام حكم السلطان صلاح الدين ، وعاد التواصل والامتزاج بين الأزهر وجامع الزيتونة ، وأنشئت المدارس الصلاحية والخوانق ، وانتظمت الدراسة العلمية على الخطة الجامعة بين السنة والكلام والفقه والتصوف ، وهي الخطة التي درج عليها ، منذ القرن الرابع ، الأشعري ، والماتريدي ، والباقلاني ، وإمام الحرمين ، والقشيري : يجمعون بين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والجنيدي ، وهي التي برزت واضحة مستعلنة في حكمة الغزالي وبخاصة في كتابه «إحياء علوم الدين».
وكانت المدارس التي أنشأها صلاح الدين في مصر على مثال المدرسة النظامية في بغداد ، والمدارس التي أنشأها الملك العادل نور الدين في دمشق. أما الذي أنشأه العبيديون بمصر فلم يكن يعدو مجالس مرتبة في الجامع الأزهر وجامع الفسطاط ، وكان يظلها حكم الدولة ، ويتحين لها اجتماع الناس يوم الجمعة (١) فعمرت المدارس ، وتوافر فيها الشيوخ والطلاب ، وانتظمت حلق العلم في جامع الفسطاط ، وشاع الفقه على المذاهب الأربعة ، وسارت الدراسة في العلوم على المناهج المتصلة بتلك المذاهب.
ولكن الجامع الأزهر قد اعتراه انطواء امتد إلى أواسط القرن السابع ، فلم يكن لهذه الحركة العلمية فيه مجال. وطال كسوف الأزهر قرنا كاملا ، إذ لم تقم فيه الجمعة إلا سنة ٧٦٥ ه أيام الملك الظاهر بيبرس وبدأ من
__________________
(١) المقريزي ج ٤ ص ٤ ، ص ١٩٣ المليجي.