يومئذ يستعيد مجده ، حتى انتظم أمره ، وعلا شأنه في منتصف القرن الثامن على يد الأمير بشير الجامدار في عهد الناصر بن قلاوون (١).
أما في تونس ففي نحو عام ٤٤١ ه جاء خطاب الخليفة العباسي من بغداد بتقليد المعز بن باديس ولاية أفريقية (٢). وأعقب ذلك زحف العرب الهلالية ، فسقطت القيروان ، وخربت ، وجلا عنها المعز وآوى إلى المدينة. وانتشر الاضطراب في البلاد ، وقامت إمارات الطوائف : في صفاقس ، وسوسة ، وقابس ، وقفصة ، وبنزرت ، وطبرقة ، والكفاف ، وغيرها ، أما مدينة تونس فقد خلعت طاعة المعز ، وقرر أهلها الانضمام إلى ملك الفرع الصنهاجي الآخر الدي كانت عاصمته قلعة بني حماد ، جنوبي بجاية ، فتوجه وفد من مشيخة مدينة تونس إلى بجاية ، ولقوا ملكها الناصر بن حماد ، فولى بإشاراتهم على مدينة تونس أحد أبنائها وهو عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان (٣) فقامت به في تونس دولة أساسها الشورى ، وعمادها إسناد الأمر إلى أهل المدينة ؛ لتدبير حمايتها من هجمات القبائل ، ومن غزوات الولاة. وعظم شأن بني خراسان ، وسما مظهر ملكهم بتونس ، وكان لعلمائها عندهم منزلة مرعية. فكان أهل تونس وبخاصة علماؤها ، وهم أهل جامع الزيتونة ، في منعة وظهور أمر ، إلى أن مضى الثلث الأول من القرن السادس ، إذ امتدت إليهم يد أمير بجاية ، ثم كانت الطامة الكبرى باحتلال النصارى الترمانديين أصحاب صقلية السواحل الشرقية للبلاد الأفريقية ، فتحركت الثورة من جديد ، للاستعداد لمقاومة الاحتلال الأجنبي ، وانعكست روح الثورة على المدينة ، فتقاتل ربضاها : الجنوبي ربض باب الجزيرة ، والشمالي ربض باب السويقة إلى أن دخلها عبد المؤمن بن علي سنة ٥٥٢ ه ، ثم استنقذ جميع البلاد الساحلية من
__________________
(١) المقريزي أيضا ج ٤ ص ٥٣.
(٢) ابن خلدون ص ١٥٩ ج ٦ بولاق.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ١٦٥ وما بعدها بولاق.