المغيرين الإفرنج ، واستنقذ بقية البلاد من أمراء الطوائف ، ووحد البلاد المغربية كلها في ملكه الذي امتد من الأندلس إلى حدود برقة (١).
وفي صدر القرن السابع كانت البلاد الإفريقية قد ازدهرت برد غارات الإفرانج النرمانديين ، وصارت تونس عاصمة البلاد باستقرار الدولة الحفصية وصارت حلق الوعظ والتعليم القائمة بجامع الزيتونة مزدهرة وكذلك كان شأن مدينة القاهرة قبل ذلك بخمسين سنة تقريبا. لما ردت عنها الغارات الصليبية ، وقامت فيها الدولة الأيوبية ، وصارت الحلق في الجامع الأزهر لا تختلف عن الحلق التي يقبلون عليها في جامع الفسطاط : كلها حلق سنية ، لا شائبة فيها للأهواء ، ترعاها الدولة ، ويغشاها الناس غير مكرهين ، ولا وجلين. إلا أن هذا المعنى لم يظهر ظهوره التام في الجامع الأزهر ، وإن ظهر حواليه ، فلم يظهر في الأزهر بذاته إلا في منتصف القرن السابع لما جددت عمارته ، وأقيمت فيه الجمعة على مذهب أهل السنة والجماعة ، ورتبت فيه دروس الحديث والفقه (٢).
فجامع الزيتونة لما قام الأزهر في منتصف القرن السابع برسالته العلمية السنية ، قد كان قائما على تلك الرسالة نفسها ، شديد الساعد في الاضطلاع بها فالتحمت بذلك الصلات بين الجامعين ، وزاد في تأكيد اللحمة تشابه المناهج العلمية ، وتقارب الأساليب التدريسية ، والاتحاد في أكثر مواد الدراسة ، والتفاضل المطرد بين شيوخ المعهدين : أخذا وعطاء.
فالمذهب المالكي بعد أن انقطع علماؤه من الديار المصرية ، في أواخر القرن الرابع تحت حكم الفاطميين ، بدأ يعاود منزلته في أواخر القرن السادس (٣) بمن رحل إلى مصر من الأفارقة والأندلسيين والصقليين الذين رفعوا لواء المذهب المالكي فيها من جديد ، مثل أبي محمد التونسي
__________________
(١) ص ١٦٣ نفس الجزء.
(٢) المقريزي ص ٥٢ ج ٤ ط المليجي.
(٣) شجرة النور ص ٩٣.