قد شق عليه ، خوفا من أن يشغله النسخ عن متابعة إقراء العلم ، ولكنه لم يستمر طويلا حتى أذن الله فجاءه الفرج وأقبلت الدنيا عليه ، وصار رزقه فيضا إلهيا ، فاتجه بكليته إلى العلم وعقد الدروس ، وقرأ جمع الجوامع للعلامة السبكي ، والأشموني على الألفية ومختصر السعد ، وحاشية حفيده عليه. وابن عبد الحق على البسملة ، وغيرها.
واشتغل بعلم العروض ، حتى برع فيه وأجاد نظما ونثرا ، حتى عرف بالفصاحة ، وجودة البيان ، وكثيرا ما كان يرتجل الشعر ، فمن ذلك قوله :
أتطلبون رضائي الآن عن نفر |
|
قلوبهم بنفاق لم تزل مرضى |
تجاهروا بقبيح الفسق ، لا ربحوا |
|
إن كنت أرضى ، فإن الله لا يرضى |
ومن نثره : من رسالة لبعض تلاميذه في الطريق ، وقد جمعت بين قوة الأسلوب وعذوبة اللفظ ، وضمت إلى حسن التوجيه ، نهجا عاليا في التربية والتهذيب ، قال فيها :
«.. ومن زاد عليك إقباله ، وتوجهت إليك بالصدق آماله ، فاصرف قلبك إليه ، وعول في التربية عليه ، ومن عنك بهواه صد ، بعد أخذك عليه وثيق العهد ، فدعه ولا تشغل به البال ، وأنشده قول أستاذنا (أي السيد مصطفى البكري) لمن عن طريقنا قد مال :
ألم تدر أنا من قلانا سفاهة |
|
تركناه غب الوصل يعمى بصده |
ومن صدعنا حسبه الصد والجفا |
|
وإن الردى أصماه من بعد بعده |
ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته |
|
وأنا نكافيه على ترك حمده |
وإنا غدا لما نعد محبنا |
|
واتباعنا لسنا نهم بعده |
ومن أردت زجره للتربية وإرشاده ، فليكن ذلك على انفراد ، إذ هو أرجى لإسعاده ، ولا تزجر بضرب ولا نهر بين الناس ، فإن ذلك ربما أوقع المريد من اليأس ، ولا تلتفت لمن أعرض ، ولا لمن يصحبك لغرض ،