في يوم من أيام ربيع الأول من سنة ١٢٠٠ ه (يناير ١٧٨٦ م) قام حسين بك شفت (١) أحد كبار المماليك ، ومعه طائفة من جنوده قاصدا منطقة الحسينية واقتحم دار رجل اسمه أحمد سالم الجزار ، كان رئيسا على دراويش الشيخ البيومي ، ونهب الأمير حسين دار هذا الشيخ. وفي صباح اليوم التالي ثار جماعة من الحسينية ، وخرجوا إلى الأزهر ، وشكوا أمرهم إلى الشيخ أحمد الدردير ، فشجعهم في ثورتهم ، وغضب لهم وقال لهم : أنا معكم. فقام الغاضبون إلى أبواب الأزهر فغلقوها ، وصعدت طائفة منهم على المآذن يصيحون ، ويدقون الطبول ، وانتشر الناس في الأسواق وقد ظهر عليهم الغضب والتحفز ، وأقفل التجار متاجرهم. فلما رأى الشيخ الدردير ثورتهم هذه قال لهم : موعدنا غدا لنجمع الناس من أطراف المدينة ، وبولاق ومصر القديمة ، وأسير معكم إلى بيوت هؤلاء الأمراء ننهبها كما ينهبون بيوتنا. وسينصرنا الله عليهم ، أو نموت شهداء. وبعد ساعات من النهار أرسل إبراهيم بك : شيخ البلد وكبير المماليك ، نائبه ، وأميرا آخر إلى الشيخ الدردير يرجوه أن يرسل إليه قائمة بجميع ما نهب من بيت الشيخ الجزار حتى يرده إليه.
وفي شهر جمادى الآخرة من السنة نفسها كان مولد السيد البدوي ، في طنطا ، وكان الشيخ الدردير في المولد ، وجاء كاشف (٢) الغربية ، من قبل إبراهيم بك ، ففرض على الناس مغارم ثقيلة ، وأخذ إبلا لبعض الأعراب كانوا يبيعونها في المولد ، فشكوا أمرهم إلى الشيخ ، فأمر بعض أتباعه أن يذهبوا إلى الكاشف ، فخشوا بطشه ولم يذهبوا ، فركب الشيخ بنفسه ومعه بعض أتباعه ، وكثير من العامة. فلما أقبل على خيمة الكاشف ناداه فحضر إليه. وكلمه الشيخ ، وهو على ظهر بغلته ، وقال له : إنكم لا تخافون الله ، واشتد عليه بالزجر والتأنيب. فلما رأى الناس ذلك خرجوا عن
__________________
(١) يقول الجبرتي إن «شفت» معناها اليهودي والأرجح انها محرفة من كلمة «جفت» التركية.
بهذا المعنى.
(٢) كاشف : حاكم.