يعوقه عن أي شأن من شئون الحياة ، فكان معروفا بين إخوانه بقوة الشكيمة والصرامة في الحق ، يحرص كل الحرص على مصالح طائفته ، ويبذل كل الجهد لاستخلاص حقوقهم ، ولو أدى ذلك إلى الاعتماد على القوة ، والالتحام في المعركة ، وكان إلى جانب هذا متفتح النفس ، يهش للدعابة ، ويطيب له التبسط في الحديث مع طلابه ومريديه ، ويعنيه أن يتحقق بنفسه شئونهم العامة ، ومسائلهم الخاصة ، ومن ثم كان طلابه يخشونه أشد الخشية ، ويحبونه أعظم الحب ، وكان إذا ما أقبل على الدرس في كل يوم بعد الصلاة الأولى أقبلوا عليه ، فيفضون إليه بما في نفوسهم ، ويسمعون منه بما يشير به عليهم ، ثم يفرغون معه لدرس التفسير في كتاب الله الكريم ، وما يزالون حتى ترتفع الشمس ، ثم ينصرفون للاستعداد لدرس آخر.
ولكن الشيخ أقبل على طلابه في ذلك اليوم ، وهو على تلك الحال التي لم يألفوها منه ، ولم يعرفوها عنه ، وأشفق الطلاب أن يكون قد نزل بشيخهم مكروه في نفسه أو في أسرته ، فقال قائل منهم : لا بأس على مولانا الشيخ فيما نرى ، فقد فات موعد الدرس وهو منصرف عنا!
قال الشيخ في صوت محتبس أجش : كيف وهذا هو اليأس يأخذ بنواصينا وأقدامنا ، وهذا هو الكرب يشد على خناقنا شدا عنيفا ، فليس لنا منه متنفس. وفيم أنتم وهذا الدرس ، وما هو إلا كلام تلو كونه بألسنتكم ، وتخورون به خوار البقر ، ولكنكم والله لا تحسونه بقلوبكم ، ولا تعرفون فيه حق دينكم ، وهل حسبتم أن الإسلام هو تلك الكلمات التي ترددونها وتناقشونها ثم تنصرفون بها إلى الناس ، وكأنها تجارة كلامية ، حسبكم من الربح فيها تلك الفضلات التي تقيم أودكم ، وتمسك رمقكم ، إذن فيا ضيعة الإسلام فيكم ، ويا خسارته بكم ، ولست أدرى أهي نهاية الزمان ، أم أن الله مقيض لهذا الأمر من ينهض به ويبعثه بعثا جديدا في عقول هذه الأمة وقلوبها؟!