قال الطالب : وهل عرف شيخنا على أحد منا سوءا في دينه ، أو تفريطا في حق من حقوقه؟!
قال الشيخ : وما ذا بقي هناك من حقوق دينكم؟ وأي أثر لذلك في نفوسكم؟ لقد جل الخطب حتى أوشك أن لا يبقى من هذا الدين بقية تتصل بأرواحكم ، هؤلاء هم الفرنسيون الكفار قد وطأوا بلادكم فسكتم ، ثم انتهبوا دوركم وأموالكم فأذعنتم ، ثم انتهكوا حرماتكم وأعراضكم فرضيتم وصبرتم ، وها هم أولاء ـ فيما عرفت ـ يعمدون إلى تغيير نظام المواريث في دينكم ، فيجعلون حق الإرث كله للبنت وليس للولد منه شيء كما هو شرعهم ، ومتى بطل جزء من الشريعة فإنها جميعها لا بد صائرة إلى المسخ والزوال ، وإنكم لصائرون غدا أرقاء في خدمة هؤلاء الفرنسيس الكفار ، وبكم تكون نهاية هذا الدين ، وزوال الملة ، ونعوذ بالله من هذا الزمان.
وسرت بين الطلاب همهمة وغمغمة ، وارتفعت الصيحات استنكارا لتلك النازلة الساحقة التي حلت بالمسلمين في دارهم ، ووقف بعض الطلاب يتكلمون ، فمنهم من يلقي اللوم على أولئك المماليك الجبناء الذين فروا من مواجهة العدو وتركوا الشعب يتلظى في أتون المعركة ، ومنهم من يعتب على دولة بني عثمان التي تركت الفرنسيين يصلون إلى فتح هذه الديار ، ومنهم من يسب الخائنين والمارقين من أبناء الطوائف الدخيلة على البلاد لأنهم تعاونوا مع العدو ومكنوه من رقاب الشعب ، ومنهم من يقول : إنه غضب الله على المسلمين جزاء ما فرطوا في دينهم ، وحقوق ملتهم.
وعاد الشيخ الجوسقي يتكلم فقال : حسبكم يا أبنائي هذا الضجيج على غير طائل ، إننا اليوم لسنا في مقام توزيع التبعات وليس من الحكمة أن نترك السفينة تهوي إلى القاع ونحن مشغولون بمعرفة الملوم في هذه الكارثة ، وإنما الواجب أن نفزع لدفع النازلة التي حلت بنا ثم نصفي أمورنا