بأغلال الدّين ، ومكن للأجانب من التدخل في شئونها ، والإشراف على مواردها ومنحهم امتيازات سيطروا بها على الوطنيين وانتشروا في المدن والقرى يبيعون الخمر والسموم ، ويتعاملون بالربا ، وتسقط الثروات في أيديهم كما تسقط أوراق الشجر أدركه الخريف ، ثم كان عهد توفيق وقيام الثورة العرابية ، واستعانة هذا الحاكم الخائن بالإنجليز ليحتلوا البلاد وينكلوا بقادتها وزعمائها ، ويلقوا بهم في السجون والمعتقلات ، ويقذفوا ببعضهم إلى خارج البلاد ليذوقوا مرارة النفي وألم البعاد والتشريد ، وكان للشيخ دور بارز في مقاومة البغي والعدوان ، وجاهد بقلمه ولسانه في صفوف الثورة ، وأفتى بخلع الخديو فحكم عليه بالنفي ، وقضى عدة سنوات بسوريا وفرنسا وتونس ، ولقي من الشدائد والأهوال ما الله به عليم.
ولكن الإمام أفاد من هذا الكفاح ، واكتسب خبرة بشئون الحياة لم تتهيأ لغيره من القادة والزعماء ، ولم يكّف عن أداء رسالته الدينية والوطنية ، فتولى التدريس بسوريا وتونس ، واشترك مع جمال الدين الأفغاني في إنشاء صحيفة العروة الوثقى بفرنسا ، وعاد من النفي أمر عودا وأصلب مكسرا ، وكانت له بعد ذلك جولات وصولات.
تقلبه في مناصب الدولة :
تولى الشيخ عقب تخرجه في الأزهر دراسة التاريخ الإسلامي بدار العلوم ، ودراسة اللغة العربية بمدرسة الألسن ، ثم عزلته الحكومة من عمله مخافة انتشار آرائه وأفكاره بين التلاميذ ، وقوة تأثيره في الأوساط الوطنية والشعبية ، ثم اختير بعد ذلك لرياسة تحرير الوقائع المصرية ، وبعد عودته من النفي أبعد عن التدريس ، وعين قاضيا بالمحاكم الأهلية ، وعضوا في مجلس الأزهر الأعلى ، ثم اختير لمنصب الإفتاء وعضوية مجلس الأوقاف الأعلى ، كما كان عضوا بمجلس الشورى ، ورأس جمعية إحياء العلوم